الرد الجزائري على خطاب الملك لا يصدر إلا عن نظام دولة رخوة "Soft state"

غريب أمر النظام الجزائري، وموقفه ضد المباردات المغربية لطي الخلافات، إنها تثير الإستغراب والشفقة ، ففي الوقت الذي جدد فيه الملك محمد السادس مساء السبت في خطاب العرش، دعوته الرئاسة الجزائرية للعمل يدا في يد من أجل علاقات طبيعية، تخرج وسائل الإعلام الجزائرية لتغرد خارج السرب.
خطاب صاحب الجلالة اتجاه الجزائر كالعادة أثبت معدن ملك المغرب ، وأكد أنه من القادة الكبار والملوك العظام ورؤساء الدول الإستراتيجيين : أناقة لغوية ، سمو فكري ، نخوة فكرية، رؤية عميقة للأمور، وحكمة ثاقبة، وقناعة راسخة بحتمية وحدة دول المغرب. العربي الكبير ، تلك هي صفات الخطاب الملكي اتجاه الرئاسة الجزائرية .
لكن، بالمقابل، عوض أن يكور الرد الجزائري إيجابيا وفي مستوى رسائل الخطاب الملكي الموجة للنظام الجزائري، جاء الرد عبر بعض وسائل الاعلام الرسمية الجزائرية بئيسا وخارج السياق والزمن، وهذا ما عايناه في مقال نشرته جريدة “الخبر” الجزائرية دقائق بعد بث الخطاب الملكي بعنوان : “الملك يتودد مرة أخرى للجزائر”، جاء فيه إن الملك قال كلاما معسولا، لكن الضرب تحت الحزام هو السيد في الكواليس، مرددا أخبارا كاذبة تمس بشخص الملك الذي هو من رمز الأمة و السيادة المغربية، مضيفة إن خطابات الملك في عيد العرش لم تعد لها أي مصداقية، فغالبا ما تكون مسبوقة أو تلي طعنة في الظهر.
وهنا يكمن الفرق بين صاحب الجلالة ملك المغرب الذي يتعالى الخوض في الأمور التافهة والصغيرة ، ويركز على القضايا الكبرى والمصيرية التي تهم الشعبين المغربي والجزائري في سياق دولي مضطرب،وبين إعلام النظام الجزائري الذي لم يستطع التخلص من عقدة المغرب، ويري الأمور بالمقلوب ، هنا يكمن الفرق بين كلام العقلاء والحكماء، وبين كلام السفهاء والجهلة .
رد الإعلام الجزائري على خطاب صاحب الجلالة واليد الممدودة للنظام الجزائري يؤكد سوء نية هذا النظام إتجاه المغرب وإصراره معاكسة المغرب بلا هوادة دون أي وعي بمخاطر مواقفه الصبيانية الرافضة لأي مبادرة ملكية تخدم الشعبين المغربي والجزائري.
خطابات صاحب الجلالة الملك محمد السادس ومبادراته ومواقفه واضحة وثابتة وحكيمة إتجاه حتمية وحدة المغرب الكبير التي يؤكد جلالته أنها لن تحقق بدون مصالحة مغربية جزائرية تنهي سنوات من المواجهات والصراعات وبتكلفة باهظة سياسيا وماليا للشعبين.
أما جريدة الشروق الناطقة باسم الكيان الوهمي والمخابرات الجزائرية فقد نشرت في صفحتها الأولى بعنوان بئيس وصبياني: جبهة البوليزاريو ترد على "الخطاب المعسول" لمحمد السادس
“خطابك يتناقض بصفة مطلقة مع تصرفاتك ومؤامرات ضدنا وضد إفريقيا”
مضيفة أن خطاب محمد السادس، ملك المغرب، بمناسبة عيد العرش، يتناقض بصفة مطلقة مع تصرفات المغرب ولا يهدف إلا لربح المزيد من الوقت لجلب المزيد من العتاد الحربي وتحضير كل المؤامرات والدسائس ضد الجزائر وشعوب المنطقة والقارة الإفريقية.
ومعتبرة أن خطاب ملك المغرب إتسم بالمجازفة والمبالغة في الكلام المعسول بهدف تغطية مقصودة لتسببه في رجوع الحرب إلى المنطقة نتيجة لتنكره لإتفاقية السلام التي وقع عليها مع الطرف الصحراوي.
وهكذا نلاحظ تجديد الملك محمد السادس تشبثه بعلاقات أخوية مع الشعب الجزائري قائلا:" أشدد مرة أخرى، بأن الحدود، التي تفرق بين الشعبين الشقيقين، المغربي والجزائري، لن تكون أبدا، حدودا تغلق أجواء التواصل والتفاهم بينهما.
بل نريدها أن تكون جسورا، تحمل بين يديها مستقبل المغرب والجزائر، وأن تعطي المثال للشعوب المغاربية الأخرى.
وبهذه المناسبة، أهيب بالمغاربة، لمواصلة التحلي بقيم الأخوة والتضامن، وحسن الجوار، التي تربطنا بأشقائنا الجزائريين؛ الذين نؤكد لهم بأنهم سيجدون دائما، المغرب والمغاربة إلى جانبهم، في كل الظروف والأحوال.
وإننا نتطلع، للعمل مع الرئاسة الجزائرية، لأن يضع المغرب والجزائر يدا في يد، لإقامة علاقات طبيعية، بين شعبين شقيقين، تجمعهما روابط تاريخية وإنسانية"
إنه كلام ملك مسؤول وحكيم وبصير وصادق ، موجه للنظام الجزائري ليس خوفا منه أو توددا له، إنه عين العين العقل، وهذه هي خصائص الملوك الكبار والقادة العظام ورؤساء الدول الاستراتيجيين الواعين بالمخاطر التي تحذق بدول شمال افريقيا، وعلى النظام الجزائري أن يتفاعل إيجابيا مع مبادرات ملك المغرب الذي يرى حاضر ومستقبل العلاقات المغربية الجزائرية من فوق عكس النظام الجزائري التي يراها من تحت .
إن تاريخ الشعوب لا يرحم،وقد كما قال أحد المفكرين:" حين يغيب العقل، ويغيب معه أصحاب الألباب والنهى، والرأي والمشورة والحكمة؛ يحضر أهل الزيف والنفاق والجهل والتضليل، وتُهيمن على المشهد عقلية الخوف من كل شيء، حتى من الشمع والشمس مصدرا النور والصبح. فالعلم نور والظلم ظلام ومن طبيعة النور تبديد الظلام. وانظر ما فعله سفهاء التاريخ بأممهم، وما أحلوا بها من محن ومصائب، وأدخلوها بغرورهم في حروب أكلت أخضرها ويابسها، وأزهقت أرواح شبابها، تحت شعارات الزيف والخداع، تارة باسم القومية، وتارة باسم الوطنية، ومرة باسم محاربة الامبريالية والهيمنة الغربية"
رسالة ملك المغرب لنظام الجزائري واضحة، استمرار اغلاق الحدود والتوترات بين المغرب والجزائر تضع المنطقة كلها في قلب العواصف ، والشعبان المغربي والجزائري يدركان جيدا بان الدولُ يبنيها العقلاء والحكماء، لكن قد تخربها النرجسيات والأنانيات.