محمد بوزفور يكتب : قوة ماكرون أم ضعف لوبين ؟؟!!

لم تكن السيدة ماري لوبين هذه المرة بمناسبة انتخابات الرئاسة لسنة 2022 , أقل سوء على مستوى الحضور و الأداء من مواجهتها التلفزية السابقة مع ماكرون أثناء سباق الرئاسيات لسنة 2017 .
ذلك أن سيدة اليمين المتطرف بدت مفتقرة إلى الحجج و المصادر ،و مشوشة الذهن ومتراجعة الى الوراء وغير قادرة على الرد على الضربات المتتالية لخصمها السياسي ، والذي أظهر قدرا كبيرا من الهجومية ، بل والعدوانية منذ انطلاق النقاش ، وأعطى الانطباع بأنه يحكم قبضته على النزال بصورة استفزازية عن طريق تسديد ضربات استباقية خاطفة لغريمته ..وجدت معها ماري لوبين صعوبة بالغة في الخروج من قوقعة الدفاع وفي عرض أفكارها وشرح قناعاتها .. إلى درجة انها ظلت طيلة اللقاء محتشمة الحضور و مشتتة التركيز .. حيث تحول النقاش الى شبه استجواب أو استنطاق لها تحكم ماكرون في تفاصيله بقساوة بالغة .. فهل كان فعلا هو الأقوى أم أن لوبين هي التي كانت الأضعف ؟؟
رغم أن الخطاب الماكروني تضمن مجموعة من المغالطات، فإن قائدة حزب التجمع الوطني لم تكن متفاعلة مع مناورات الخصم ، ولم تتمكن من تعرية هفواته أمام الرأي العام والكتلة الناخبة الفرنسية .. ومن ضمن تلك الأخطاء التي ارتكبها رئيس حزب الجمهورية الى الأمام ، يمكن التوقف على سبيل المثال لا الحصر عند المعطيات التالية :
1/ عندما أشهر المنافس ورقة القرض الذي استفادت منه لوبين كرئيسة الحزب اليميني من بنك روسي يوجد في ملكية أشخاص قريبين من دوائر بوتين ( رابطا ذلك بفقدانها لاستقلالية القرار السياسي و الشرعية امام السلطات الروسية ) ، لم تستطع أن تباغته مثلا بورقة القروض الشخصية التي استفاد منها الرئيس نفسه من عدة بنوك أوروبية كبرى ، و غاب عنها أن تذكره بعلاقاته المشبوهة مع شركة فايزر المنتجة للقاح ضد كورونا .. و كان بمقدروها أيضا أن تضربه في مقتل بتذكيره بالأسلحة الفرنسية التي استمر في بيعها الى الروس إلى حدود سنة 2020 … وهو المعطى الذي فتح الباب للخلوص الى استنتاج منطقي كون السيدة لوبين جاءت للحلبة دون أن تكون مزودة بمعطيات دامغة أو أوراق خلفية تكتيكية ..
2/ تحدث ماكرون عن المديونية الوطنية المتراكمة جراء أزمة كوفيد 19 والتي قدرها ب600 مليار يورو - في حين أن الرقم الحقيقي لا يتجاوز 165 مليار اورو - . ساعتها كانت لوبين خارج التغطية ولم تبادر إلى تصحيح المعلومة الخاطئة والفادحة .!!
3/ حينما صرح الرئيس المنتهية ولايته بأن السيادة لنواب الأمة وليست للشعب ، لم تلتقط السيدة مارين المغالطة بالصورة المطلوبة ، و فاتها أن تضع النقط على الحروف أمام الطبقة السياسية الفرنسية و المشاهدين !!
4/ لم يتوان المرشح الرئاسي في نرفزة لوبين وقطع تدخلاتها وابداء نوع من التحقير لها ، عندما كان في كثير من الاحيان يتوجه بكلامه الى الصحفيين منشطي النقاش ، متعمدا تجاهلها .. لكنها لم تبد اعتراضا او عتابا او أي رد فعل ازاء سلوكه المتعجرف ، و الذي جعلها تقبل بالتراجع الى منطقة الضحية المهانة والمستسلمة !!
ومن ثمة كان واضحا أن ماكرون أسس استراتيجيته التواصلية المستندة على خبرة وممارسة ميدانية في سدة الحكم على زعزعة نفسية منافسته بكافة الأساليب ، و التي لم تخرج رغم ذلك عن برودتها و سلبيتها المريبة .. !!
واذا كان الهدف الذي حددته لوبين من دخول غمار هذه المعركة التواصلية هو جمع أكبر عدد من النقاط أمام ماكرون ، فإنها أخلفت الموعد بشكل مثير للدهشة ، سيما أن تحليلات الاعلام الفرنسي بعد هذه المجابهة رجحت كفة رئيس حزب الجمهورية إلى الأمام ، بعدما نجح في استعراض عضلاته التقنية واكتساح أغلب المساحة الزمنية التي خصصت للقاء التلفزي ، بالرغم من وقوعه في عدة مغالطات واضحة لم تجد التوظيف المناسب من طرف سيدة الخطاب اليميني المتشدد..
وفي هذا السياق يمكن أن نتساءل في حالة ما إذا كان إريك زيمور اليميني المتطرف أو جان لوك ميلانشون اليساري رئيس " حركة فرنسا الأبية " هما المعنيين بمثل هذه المناظرة السياسية ، فهل سيكون أي منهما أكثر قدرة منها على إفحام ماكرون واضعاف حجه عن طريق مواجهته بأسلحة الدمار الخطابي الشامل و قوة الاقناع وحدة الاستفزاز والمناورة ؟ سيما في ملفات من قبيل الهجرة والاقتصاد والتقاعد والسياسة الاوروبية والعالمية !!
ختاما ، هل كانت السيدة المرشحة لمنصب رئيس الجمهورية الفرنسية أضعف من مقارعة خصمها ام ان هذا الأخير كان في المطلق هو الأقوى ؟
الأكيد أن ماكرون بدا في موقع الشرير الجسور ، وان لوبين ظهرت في صفة الحمل الوديع المستكين ، اي ان الأول كان بلغة السياسة هو المسيطر والمبادر منذ الدقائق الاولى ، مما مكنه من اختراق دفاعات منافسته بقدر غير قليل من التكبر والاستعلاء ..علما ان ماكرون أفلح في سبر أسرار القدرات التواصلية لغريمته في المحطة الانتخابية السابقة , و جاء لمناظرة 2022 مسلحا بانتصاره السابق الذي أحرزه سنة 2017 , مما سهل عليه دخول المضمار ببقة كبيرة تقترب من الغرور اللامحدود !!
فهل يكفي الحصاد المعنوي الذي جناه الرئيس المنتهية ولايته داخل معترك النقاش التلفزي لنيل رضا الرأي العام الفرنسي والاحتفاظ بكرسي الرئاسة داخل قصر الإليزيه ؟
أم انه سيكون للناخبين الفرنسيين رأي آخر يوم الأحد 24 ابريل 2022 ؟؟
أننا مع المنتظرين !!!