يتوجه الناخبون المغاربة، يوم الثامن من شتنبر الجاري إلى مكاتب التصويت لاختيار مرشحيهم برسم الانتخابات التشريعية والجهوية والمحلية.
ولعل ما يسترعي الانتباه أن من بين هؤلاء المرشحين، أبناء وأقارب بعض القيادات والوجوه السياسية البارزة التي أل ف المغاربة رؤية أسمائهم عند كل محطة انتخابية.
وعرفت ظاهرة العائلات الانتخابية حضورا قويا في الانتخابات الحالية، وبدت العديد من اللوائح تحمل أسماء تنتمي إلى الأسرة الواحدة، بل هناك لوائح في العديد من المناطق تحمل اسم أسرة واحدة، وكأن الحزب في تلك المدن بات مسجلا باسم تلك الأسرة.
هذه الظاهرة، التي يطلق عليها بعض المحللين " العائلوقراطية"، تعرفها أغلب دول العالم، وحتى الديمقراطيات العريقة، التي تتعاقب فيها عائلات على الترشح للانتخابات، من قبيل كنيدي وبوش وكلينتون في الولايات المتحدة، أو ترودو في كندا.
و ما زاد الظاهرة انتشارا في هذه الانتخابات التي تجرى في يوم واحد، هو عجز الأحزاب عن تغطية شاملة للوائح في الانتخابات المحلية والجهوية والبرلمانية ما اضطر العديد من الأحزاب إلى الاستنجاد بأفراد الأسرة، من أبناء وزوجات وأصهار لملء اللوائح، في ظاهرة غربية تثير الكثير من الأسئلة.
وفي الوقت الذي يرى البعض الأمر عادیا انطلاقا من أن الأمر يتعلق بحرية الانتماء إلى الحزب الواحد، خاصة إذا كان العضو زعيما سياسيا، ويسعى إلى توريث أبنائه المقعد البرلماني أو المسؤولية في الجهة او المجلس الترابي، تضيف الجريدة، يعتبر البعض الآخر الأمر مسيئا للعملية الانتخابية وللممارسة السياسية، إذ تصبح الأحزاب عاجزة عن تأطير المواطنين، وتحضير لوائح المنتخبين انطلاقا من معايير الكفاءة والاستحقاق، بعيدا عن الحاجة إلى العائلة لملء اللوائح.
وفي قراءة لبعض اللوائح التي انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تشير اليومية، يمكن الوقوف عند هذه الظاهرة التي تسيطر فيها العائلة الواحدة على اللائحة أو يترشح جميع أفراد العائلة في دوائر مختلفة، ففي فاس أصر حميد شباط، الأمين العام السابق لحزب الاستقلال، بعد رفض منحه التزكية من قبل نزار بركة، الأمين العام للحزب، على الترشح لمنصب عمدة فاس، ما اضطره إلى الإلتحاق بحزب جبهة القوى الديمقراطية، لقيادة لائحة الزيتونة في العاصمة العلمية رفقة أفراد عائلته ومريديه من المنسحبين من الاستقلال.
وحرص شباط، على ترشيح ابنته ريم وكبلة للائحة الجهوية للنساء، وزوجته فاطمة طارق، وكيلة للجزء الثاني في مقاطعة زواغة، كما ترشح ابنه نوفل البرلماني وكيلا لائحة بتازة، وبجهة فاس دائما، عاد امحند العنصر الأمين العام للحركة الشعبية إلى انتخابات الجهة، وكيلا للائحة الحركة الشعبية، فيما ترشح ابنه حسن العنصر، بدائرة بولمان للمرة الثانية، وهذه المرة إلى جانب زوجته.
ورشحت حليمة العسالي، القيادية في الحركة الشعبية ابنتها زینب أمهروق، وكيلة اللائحة الجهوية باسم الحركة الشعبية ولا يقف ذلك عند الحركة الشعبية بل إن الظاهرة تكاد تخترق جميع الأحزاب مثل حزب الاستقلال، الذي رشح عائلة بكاملها في لائحة واحدة ببوجدور، ويتعلق الأمر بالاستقلالي والبرلماني عبد العزيز أبا، الذي رشح أفراد من العائلة في الانتخابات البلدية والجهوية والبرلمانية، حيث تضمن الملصق الانتخابي أسماء عزيزة أبا، وعبد العزيز أبا، وامحمد آبا، والبشير أبا، حسب المصدر نفسه.
وعرف اقليم السمارة هو أيضا عرف هيمنت عائلة حنيني على ترشيحات الاستقلال، حيث ترشح مولاي خطري حنيني بالدائرة 2، ومريم حنيني بالدائرة 11، وسيدي محمد حنيني بالدائرة 1، ومولاي خطري حنيني بالدائرة 2، وللا مريم بالدائرة 5.
ولم تخل لوائح أحزاب اليسار من الظاهرة، رغم اختلاف السباق، إذ غالبا ما تجد أفراد الأسرة الواحدة وهم مناضلون في الحزب منذ سنوات، يضطرون إلى الترشح النضالي، من أجل دعم لوائح الحزب، أمام الصعوبات التي واجهها في التغطية الشاملة للدوائر المحلية والجهوية والبرلمانية، خاصة في الشق المتعلق بالترشيح النسائي ، الذي فرض تحديا كبيرا على الأحزاب، ما أضطر أغلبها إلى ترشح نساء لا علاقة لها بالانتماء السياسي ليحل محله الانتماء إلى العائلة، في إطار دعم وكيل اللائحة والأمثلة هنا كثيرة وتشمل أفراد من أسرة واحدة يتوزعون على اللوائح في أكثر من مقاطعة ومدينة.
ويظل السؤال المطروح هو، هل ترشيح أقارب الوجوه السياسية البارزة في الاستحقاقات الانتخابية يعتبر تكريسا لمبدأ المساواة ؟ بما أن جميع المواطنين المغاربة لهم الحق في تقديم ترشيحاتهم إذا استوفوا الشروط القانونية المطلوبة، أم أن الأمر ينطوي على تقويض لمسعى تجديد النخب السياسية على المستويين الوطني والمحلي؟ إذ من شأن تكرار نفس الأسماء المنحدرة من العائلة نفسها أن يؤدي إلى عزوف الناخبين عن التصويت؟
كما تطرح هذه الظاهرة تساؤلا حول مدى قدرة الانتخابات على إفراز نخب جديدة ذات كفاءة ومصداقية، ومن فئات اجتماعية مختلفة ، تستجيب لتطلعات المواطنين وتنسجم مع التحولات التي يشهدها المجتمع المغربي.
فبخصوص استحقاقات الثامن من شتنبر الجاري، تقدم، وفقا لما كشفته لوائح الأحزاب السياسية، عدد من أبناء وأقارب السياسيين سواء على المستوى الوطني أو المحلي أو الجهوي.
وبرأي بعض المتتبعين، فإن ترشيح الأبناء والأقارب قد يشكل أحيانا حاجزا أمام الكفاءات الشابة داخل الأحزاب والتي تجد صعوبة في الحصول على التزكية لخوض غمار الانتخابات. وفي تعليقه على الموضوع، يقول أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، رشيد الأزرق، إن المنظومة الحزبية، ولكي تواكب الزمن الدستوري، مدعوة إلى " التحول من حزب الأفراد إلى أحزاب المؤسسات "، والقطع مع " هيمنة الفرد على الأداة الحزبية ".
واضاف في تصريح صحفي أن المغرب في حاجة إلى تعزيز مؤسساته من أجل تنزيل النموذج التنموي الجديد، مشيرا إلى أن "تصيد الفرص " الذي تمارسه جزء من النخبة قد يؤثر على مصداقية المؤسسات المنتخبة. وأكد أن على الأحزاب تنزيل التعاقد الدستوري الذي يضمن تثبيت الاختيار الديمقراطي المدعوم بضرورة ربط المسؤولية بالمحاسبة القانونية و الانتخابية.
وتبقى الكلمة الفصل للناخب ، الذي سيختار المرشح القريب من اهتماماته والذي يقدم برنامجا يلبي طموحاته ويستجيب لتطلعاته، بغض النظر عن انتمائه العائلي، لأن ما يهم الناخب بالدرجة الأولى هو ما سينجزه المرشح على أرض الواقع، وليس العائلة التي ينحدر منها.