بوليوود سيدي البرنوصي(2) ..الهندية وإدريس البصري والباعة الجائلون!

’’ الهندية “، ليست لغة الهند أو امرأة من بلد المليار نسمة ولكنه لقب اصطلحه المغاربة على الكرموس هذه الفاكهة الغريبة التي يسميها أهل الجنوب “أكنراي’’ ، هذه كانت مقدمة مقال عن الكرموس ، الهندي او فاكهة الفقراء كما يحلو للبعض تسميتها كتبته قبل 15 سنة وبالعنوان نفسه استنادا إلى مشاهداتي لواقع الباعة الجائلين في حي البرنوصي الشهير بالعاصمة الاقتصادية منتصف تسعينات القرن الماضي.

وهو المقال الذي نشرت سي ان ان الأمريكية جزءا منه في ذلك الوقت ضمن تقرير لها عن ابرز المدونات في الوطن العربي في العام 2009 .

كان سعر الهندية في المتوسط يومها يتراوح بين اربعة ريالات ليلا إلى درهم ونصف في الصباح الباكر ، وكانت حركية التجارة متحركة لا يوقفها سوى مطاردات عربات السلطة المحلية للباعة دون الحاجة إلى لفظة أكشن الشهيرة،لكن السعر قفز هذا العام إلى 35 درهم للكيلو غرام في بعض الاسواق الممتازة ، وبضعة دراهم للحبة الواحدة على عربات الباعة الجائلين، تجاوزت في بعض الأحياء 6 دراهم.

قال لي بائع هندية مؤخرا يبيع بأربعة دراهم للحبة لواحدة بصعوبة، ويمكن ان ينخفض السعر أو يرتفع بحسب تفاوض الزبون وشطارته، ان تناول الهندية يشبه تناول وجبة لحم مشوي وهي مقارنة مخيفة، اذ تصبح وجبة خفيفة تعتبر تحلية ديسير، تعادل سعر وجبة اساسية من اللحم ، وبعملية حسابية بسيطة فإن تناول 10 حبات من لهندي يعادل 50 درهما وهو مبلغ يمكن للمستهلك ان يشتري به نصف كيلوغرام من اللحم او الكفتة.

فماذا جرى بين تاريخ المقالين وماذا يجري .. ؟

يبدو ان الحكومة رغم امكاناتها لم تستطع احتواء التضخم الجارف الذي حول فاكهة الفقراء إلى فاكهة يصعب الاقتراب منها؟

تغير السعر الذي تضاعف 20 مرة وتغيرت المطاردات التي كانت شائعة على عهد إدريس البصري وزير الداخلية القوي، الذي زار البرنوصي في 1995 ، وهو العام الذي رصدت  فيه عن قرب المشاهد الدرامية التي استدعت استخدام لفظة بوليوود ، (فخر السينما الهندية ) في عنوان المقالين.

تسببت زيارة الوزير يومئذ في اختفاء مئات العربات والباعة الجائلين من الشارع الرئيس الذي مر منه الوزير والشوارع المتفرعة عنه في صيف ذلك العام.

إن هذا التحول في سعر الهندية، لايجب أن يمر هكذا دون مساءلة، ودون تأمل خاصة ونحن نتحدث هنا عن آخر قلاع الفقراء من أسعار الفواكه الموسمية التي كانت في المتناول إلى وقت قريب.

بالعودة إلى أصل جزء من المشكلة فإن الهندية التي تتأتى من اشجار الصبار اختفت بشكل دراماتيكي بسبب حشرة قرمزية تأتي على هذه الأشجار فتفتك بها .

ظهرت الحشرة القرمزية أو الكوشني بالمغرب في أواخر سنة 2014  على غفلة من وزارة الفلاحة وحكومة ابن كيران، بحسب معطيات(المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية) وتصيب هذه الحشرة نبات الصبار فقط وهي تتميز بلون احمر داكن وموطنها الاصلي الغابات الاستوائية وشبه الاستوائية في أمريكا اللاتينية والمكسيك.

ورغم جهود وزارة الفلاحة لإعادة إحياء وتوطين الصبار في مناطق مختلفة من خلال مخطط الجيل الاخضر، غير أن الحشرة القرمزية ما تزال تمثل تحديا لمحصول الصبار الذي يمثل دخلا مهما للعديد من المناطق الفلاحية كالمجدبة قرب الحمدية وجهة كلميم ومناطق أخرى .

فالهندية لا تتطلب استوديوهات او ميزانيات ونجوم الصف الأول بل هي نبتة صبارة، ومقاومة للجفاف وتتحمل العطش، لذلك كانت تظهر في الصيف في الاسواق والمدن بكثرة رغم تراجع محاصيل زراعية أخرى بسبب الجفاف ورغم خسارة الفلاحين بسبب هذا الجفاف.

فهل سيأتي يوم على الهندية لتصبح مجرد كومبارس في المشهد الغذائي للطبقة الفقيرة والمتوسطة لا يعيرها أحد أي اهتمام، أم أنها ستسيطر على دور البطولة في مائدة المغاربة ؟

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *