الثقة في العلماء بين التحديات والفرص: دراسة تكشف مواقف المغاربة والعالم

الثقة في العلماء بالمغرب والعالم: دراسة تكشف التحديات والفرص

 

في المغرب، كما في بعض الدول الأخرى، تشير البيانات إلى أن الأفراد ذوي التوجهات السياسية اليمينية يميلون إلى الثقة بالعلماء بدرجة أقل. هذا الاتجاه، الذي أظهرته دراسة منشورة في مجلة نيتشر هيومن بيهيفيور، ليس حادًا لكنه يعكس تحديات تتعلق بكيفية إدراك فئات المجتمع المختلفة لدور العلماء وأهميتهم.

 

في ظل تنامي الخطابات الشعبوية والمواقف المناهضة للعلم، أصبحت مسألة الثقة في العلماء محور اهتمام صناع السياسات والباحثين والمشتغلين بالتواصل العلمي. فتعزيز هذه الثقة لا يقتصر على شرعنة تمويل الأبحاث، بل يمتد إلى تمكين المواطنين من اتخاذ قرارات مستنيرة في قضايا جوهرية مثل الصحة والتكنولوجيا والاستدامة.

 

الثقة بالعلماء عالميًا: نظرة على نتائج الدراسة

 

رغم القلق المتزايد بشأن تراجع الثقة في العلماء، أظهرت الدراسة أن غالبية الناس في 68 دولة يثقون بهم بدرجات متفاوتة. وقد أجريت الدراسة ضمن مشروع “TISP Many Labs”، بقيادة فيكتوريا كولونيا ونيلز جي. ميد، بمشاركة 241 باحثًا من 169 مؤسسة، من بينهم 12 باحثًا أفريقيًا. امتدت فترة البحث من نوفمبر 2022 إلى غشت 2023، وغطى الاستطلاع نحو 72,000 مشارك، بينهم أكثر من 6,000 من 12 دولة أفريقية، منها المغرب.

 

أثبتت الدراسة أن العلماء يُنظر إليهم عمومًا على أنهم يتمتعون بالكفاءة والنزاهة، مع تسجيل مستويات ثقة أعلى لدى النساء، وكبار السن، وسكان المدن، وأصحاب الدخل المرتفع، والمتدينين، والحاصلين على تعليم رسمي، وكذلك ذوي التوجهات الليبرالية واليسارية.

 

أفريقيا ضمن الدول الأكثر ثقة في العلماء

 

من النتائج البارزة أن ثلاث دول أفريقية—مصر ونيجيريا وكينيا—جاءت ضمن قائمة الدول الخمس الأكثر ثقة في العلماء، مما يفند الصورة النمطية عن ضعف هذه الثقة في القارة. كما أظهرت الدراسة أن المواطنين في الدول الأفريقية المشمولة بالبحث يفضلون أن يركز العلماء على تحسين الصحة العامة، وحل مشكلات الطاقة، والحد من الفقر. في المقابل، لا تزال قضايا الدفاع والتكنولوجيا العسكرية تحظى بأهمية نسبية أعلى في أفريقيا مقارنة بمناطق أخرى.

 

التواصل العلمي.. مطلب شعبي ملح

 

أبرزت الدراسة رغبة قوية لدى 83% من المشاركين حول العالم في أن يكون العلماء أكثر انخراطًا في التواصل مع الجمهور. في دول مثل غانا وكوت ديفوار وأوغندا، طالب المواطنون العلماء بالتفاعل المباشر معهم، بينما أبدت نيجيريا وبوتسوانا دعمًا أكبر لانخراط العلماء في السياسة. أما في مصر والمغرب، فكان هناك تحفظ نسبي حول مشاركة العلماء في المناصرة السياسية، في حين أبدى ثلث المشاركين في إثيوبيا تشككًا إزاء تعاون العلماء مع السياسيين.

 

نحو تعزيز الثقة الواعية بالعلم

 

يجمع الباحثون في مجال التواصل العلمي على أن المطلوب ليس ثقة عمياء بالعلم، بل ثقة قائمة على الفهم. ولتحقيق ذلك، ينبغي جعل العلم أكثر وضوحًا وإتاحة، مع تمكين المواطنين من تقييم مصداقية المعلومات العلمية لتمييز المصادر الموثوقة عن المضللة. في مجتمع متعلم علميًا، يصبح النقاش العلمي جزءًا من الحياة اليومية، ما يتيح للجمهور فرصة المساهمة في قرارات البحث العلمي وتطبيقاته.

 

وعلى الرغم من أن معظم الدراسات حول مواقف الجمهور من العلم تركز على الدول المتقدمة، إلا أن مستوى الثقة في العلماء يتأثر بعوامل مثل التعليم، والسياسة، والدين، والشعبوية المعادية للعلم. لذا، من الضروري توسيع نطاق البحث ليشمل مناطق كأفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا، وهو ما تسهم فيه هذه الدراسة من خلال توفير قاعدة بيانات شاملة قابلة للتحديث والتوسع مستقبلاً.

 

دعوة لتعزيز التواصل العلمي في المغرب وأفريقيا

 

تكشف الدراسة أن الثقة في العلماء ليست ثابتة، بل تتغير وفق الأزمات والتطورات العلمية. وقد أظهرت أن المواطنين الأفارقة، بمن فيهم المغاربة، يتطلعون إلى أن يكون العلماء أكثر تفاعلًا مع المجتمع. لذا، يمثل هذا البحث دعوة للعلماء في المغرب وأفريقيا لجعل أبحاثهم أكثر وضوحًا وإتاحة للجمهور، مع ضرورة أن يوفر صناع السياسات والممولون الدعم اللازم لهم عبر تمويل مشاريع التواصل العلمي ومنح الحوافز، بما يسهم في تعزيز الحوار العلمي وبناء مجتمع أكثر وعيًا ومعرفة.

 

 

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *