وسط الأسماك التي تسبح في المياه وأمواج المحيط الأطلسي المتلاطمة ينفتح عالم آخر جديد تؤثثه تماثيل بشر بحجمها الحقيقي تبرز قبالة جزيرة لانزاروتي التي تقع شمال غرب أرخبيل الكناري مشكلة لوحة إبداعية وفنية من أجل توجيه نداء عاجل بضرورة الحفاظ على المحيطات وحماية النظم الإيكولوجية البحرية .
ويتشكل هذا المتحف الفني الذي يمتد على مساحة 2500 متر مربع وبعمق 14 مترا تحت الماء من منحوتات ومجسمات بواخر لمهاجرين سريين وحوالي 35 تمثالا لأشخاص يمشون باتجاه إحدى الأبواب الموصدة حيث نقطة اللاعودة وكذا إعصار يلف مئات الأجساد وكلها لوحات قاتمة تحمل رسائل قوية حول مآسي الهجرة وكذا حول التهديدات التي تتعرض لها البحار والمحيطات والنظم الإيكولوجية .
وتتوزع 300 من التماثيل والمنحوتات مختلفة الأشكال والتعابير في هذا المتحف المائي الذي أبدعه البريطاني جيسون دي كايرز تايلور المتخصص في أعمال النحت تحت الماء على هذا الفضاء بشكل دائري وعلى عمق 14 مترا تحت الماء تمكن الزوار من استكشاف تاريخ كل قطعة من هذه الأعمال الفنية وما ترمز إليه وكذا الدلالات والرسائل التي تحملها هذه المنحوتات .
ويبدأ مسار هذا التشكيل الإبداعي الفريد بمنحوتة تسمى " المدخل " تظهر شابا يثبت مرآة كبيرة الحجم ورباعية الزوايا تعكس السطح المتغير للمحيط بينما تمثل القطعة الأخيرة في فضاء هذا المتحف إعصارا بشريا يتكون من 200 من المنحوتات بأحجام حقيقية عبارة عن تشكيل دائري كبير يجسد لوحة تفكير عميق لبشر حول مستقبل المحيطات والنظم الإيكولوجية .
وقد تطلب إنجاز هذا العمل الفني الذي تم تصنيع جميع المنحوتات التي يتشكل منها بمواد غير ملوثة بما في ذلك الخرسانة الهيدروجينية الصديقة للبيئة ثلاث سنوات من العمل وأسابيع من تثبيت هذه المنحوتات وسط المياه ليصبح هذا الفضاء مع مرور الوقت عبارة عن متحف فني وفي نفس الوقت فضاء تجوبه مختلف الأنواع والأصناف البحرية التي تميز جزيرة لانزاروتي .
وبالفعل فمنذ افتتاح هذا المتحف الفني في فبراير 2017 ارتفعت معدلات تكاثر الأصناف والأنواع البحرية بالمنطقة حيث تسبح أسماك القرش والأنواع الأخرى من الأسماك الصغيرة جنبا إلى جنب مع الرخويات والأخطبوط والقشريات وغيرها .
بالنسبة لجيسون تايلور مبدع هذا الفضاء والذي يلقب ب ( كوستو عالم الفن ) فإن المحيط الأطلسي ليس مجرد " مصدر وحي وإلهام وموضوع للتغني " ولكنه فضاء يتوقف عنده الزمن ويمكنه أن يصبح بمثابة متحف يخدم الإنسانية من خلال رسائل وحمولات تستهدف الرفع من درجة الوعي لدى الإنسان وتحسيسه بأهمية الحفاظ على النظم الإيكولوجية والبيئة البحرية وتحفيزه خاصة بالنسبة للأجيال الشابة على الاهتمام أكثر بالمحيطات وأهميتها وضرورة حماية البيئة البحرية والمنظومة الإيكولوجية التي تتشكل منها .
كما تعكس تماثيل ومنحوتات الفنان البريطاني المستوحاة من سكان الجزيرة ومن أنماط عيشهم والبيئة المحيطة بهم دعوة مفتوحة لحماية النظم البيئية البحرية وذلك بفضل البرامج الدراسية والأبحاث التي أطلقتها السلطات المحلية بالجزيرة مباشرة بعد افتتاح هذا المشروع الغرائبي الذي يستقطب ما يقارب 11 ألف من الزوار سنويا .
وقد تم تصميم هذا المتحف بطريقة فنية تجعل التماثيل ومختلف المنحوتات مرئية من سطح البحر ولذلك فهو يستقطب المزيد من الزوار والباحثين والفضوليين الذين يرغبون في زيارة هذا الموقع الفريد من نوعه .
وبما يضمه من أعمال إبداعية وفنية وما يحمله من رسائل أضحى متحف جزيرة ( لانزاروتي ) الذي يقع تحت الماء أحد الفضاءات الأكثر استقطابا وجذبا للسياح وكذا للمهتمين بقضايا البيئة حيث هناك 192 دليل معتمد يكشف للزوار والسياح والمهنيين إحدى الآليات الجديدة للمحافظة على البيئة واحترام التنوع البيولوجي البحري والنظم الإيكولوجية المتفرعة عنه .
لقد أراد الفنان البريطاني مبدع متحف أرخبيل الكناري المغمور تحت الماء الذي يعد الثالث من نوعه في العالم بعد متحف ( غرينادا ) في منطقة بحر الكاريبي و ( كانكون ) في المكسيك أن يجعل من هذا العمل الفني صرخة في وجه الجميع على المسؤولية الجماعية لحماية البيئة والحفاظ على المحيطات والبيئة البحرية .