الفاتحي لـ"بلبريس: "البوليساريو" لا تؤمن بالديمقراطية .. والجزائر تدعم الانفصال بإفريقيا

قدم المبعُوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء "هوست كولر" تقريره إلى مجلس الأمن الذي حمل معه خلاصة جولته الإقليمية الثانية بالمنطقة، من أجل الشروع في إيجاد صيغة للمفاوضات المباشرة، مع تجديد المغرب تأكيده على أن تكون الجزائر طرفا في أي مفاوضات مقبلة مع جبهة "البوليساريو".

وفي هذا السياق يأتي حوار "بلبريس" مع الدكتور عبد الفتاح الفاتحي، الخبير الإستراتيجي في قضايا الصحراء والشؤون المغربية، الذي أكد أن "تجربة الإنفصال سيئة جدا بل كارثة على القضايا الإنسانية"، منبها إلى أن "خيارات الإنفصال فشلت في مختلف التجارب حتى في الدول المتقدمة، مشيرا أن المنطقة "لا تحتاج إلى بؤر توتر جديدة خصوصا  بالساحل والصحراء المفعمة بكثير من النيران ولا تحتاج إلى عود ثقاب واحد من أجل إشعالها".

وأوضح المتحدث ذاته، أن إفريقيا تحتاج إلى "الإستقرار بدل اللعب على النزاعات السياسية"، أما تلويح بحمل السلاح من طرف "البوليساريو" يبقى مجرد دعاية من أجل جذب الإهتمام"، مما يدل أن "البوليساريو" "ليست لها النية لإيجاد تسوية سياسية".

إليكم نص الحوار:

ننطلقُ أولا من التقرير الآخير "هورست كولر"، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، ما مضمون التقرير؟، ما هي أهم الخلاصات؟

يعتبر تقرير المبعوث الأممي "هوست كولر" الأخير إجراءا عاديا، لأنه يأتي في سياق تقديم نتائج الجولة التي قام بها إلى المنطقة، والتي همت الأطراف المباشرة والمراقبة كموريتانيا والجزائر فضلا عن المغرب ومخيمات تندوف، وحصيلة المبعوث الأممي كانت تحاول أن تلامس إمكانية إيجاد تصور للإجابة على قرار مجلس الأمن في أبريل الماضي تحت رقم 24-14 المتعلق بإجراء مفاوضات مباشرة حول قضية الصحراء.

الأساسي في التقرير بعد عرضه، إعلانه تعزيز الدعم المقدم للمبعوث الأممي للسير في هذا النهج في أفق إيجاد تصور لمفاوضات مباشرة بشأن الصحراء، مع تركيز  مجلس الأمن على نُقطة مهمة، وهي أن أي تصور لا يمكن التوجه إليه لتحقيق النتيجة المطلوبة إلا بموافقة المملكة المغربية باعتبارها المعنية الأولى.

من داخل مجلس الأمن برزت مواقف خاصة من قبل الدول الكبرى، مثل فرنسا التي لها رؤية واضحة بخصوص القضية والولايات المتحدة الأمريكية، مما يكشف أن هناك خياران، هل سيكون الإتجاه نحو الاستعجال بضرورة إيجاد تسوية سياسية أم سيتم مراعاة تعقد الملف في انتظار أن تكون مقترحات تتسم بالاستدامة، وهذا ما أشار إليه التقرير الآخير، وأن المنطق الجديد في تدبير قضية الصحراء يتطلب البحث عن حل أفضل.

وأن المقاربة الثانية مُعقلنة لأن الوقائع التي تجري اليوم في جنوب السودان حين دعمت الولايات المتحدة الأمريكية خيار الإنفصال التي ترتبت عنه إنتهاكات جسيمة، من القتل، والجوع، ولا إستقرار، تجعل المنطقة الإفريقية بؤرة للنزاعات رغم محاولة تحقيق السلام بين الأطراف، وأن تجربة الإنفصال سيئة جدا بل كارثة على القضايا الإنسانية، وفي هذا الاتجاه أنبه إلى أن خيارات الإنفصال فشلت في مختلف التجارب حتى في الدول المتقدمة كما هو الحال في انفصال "كتالونيا".

كل هذه الأسباب تدعونا لإعتماد النهج الواقعي، وفهم إحتياجات المنطقة التي لا تحتاج إلى بؤر توتر جديدة خصوصا بمنطقة الساحل والصحراء المفعمة بكثير من النيران ولا تحتاج إلى عود ثقاب واحد من أجل إشعال المنطقة، حينها يصعب تحقيق الهدوء فيها، ونحن نرى الوضع في ليبيا والجنوب الجزائري، ومعلوم وضعية دولة النيجر لدرجة أنه تم إستدعاء تشكيل عسكري من خمس دول بدعم من فرنسا.

التقرير الأخير للمبعوث الأممي إلى الصحراء بمجلس الأمن، ما علاقته بالقرارات السابقة؟ وما تأثيراته على القضية الوطنية؟ وكيف ستتفاعل "البوليساريو" مع قرارات مجلس الأمن؟

إن جبهة "البوليساريو" ليست صادقة وغير جدية ولا تراعي مسألة الأمن القومي أو مبدأ السلم والأمن العالميين أو في منطقة الساحل والصحراء، وأن القرار السابق كان فيه نص واضح  يدعو  جبهة "البوليساريو"  بإجترام وقف إطلاق النار، لكنها بعد القرار مباشرة في أبريل من سنة 2017 شهدنا انتهاكات متكررة لجبهة "البوليساريو" في المنطقة العازلة مما جعل  المغرب يقوم بتوجيه رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة بخصوص هذه الانتهاكات.

وجبهة "البوليساريو" ليست لها النية  لإيجاد تسوية سياسية، والدليل واضح هو انتهاكاتها المستمرة للقرارات الدولية، وكل مرة تطلق تهديدات بالعودة إلى الحرب وتقوم بخلق المشاكل من أجل التصعيد، خصوصا في الفترات التي تنعقد فيها الجلسات بمجلس الأمن حول قضية الصحراء، أو عند أي خطوة للمجتمع الدولي لإيجاد تسوية سياسية.

لدرجة أنه بعد تقديم المبعوث الأممي "هوست كولر" تقريره الأخير عاد الخطاب بالتهديد إلى حمل السلاح من طرف "البوليساريو"، مما يطرح تساؤلات أساسية وموضوعية، هل جبهة "البوليساريو" معنية بإيجاد تسوية سياسية؟، وهل يمكن أن تكون مصدر ثقة للحوار معها؟، ونحن نناقش شكل المفاوضات، وهل لجبهة "البوليساريو" المصداقية الدولية والإقليمية بأن تكون مفاوضا وحيدا كما تدعي بإسم كافة الصحراويين؟، لأن الواقع يقول خلاف ذلك، وأن الغالبية الكبرى من الصحراويين يعيشون في الأقاليم الجنوبية ينتخبون وفق ممارسة ديمقراطية مدبري شؤونهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية تحت إشراف ومراقبة دولية وذلك عبر مسار طويل، وشهدت الأقاليم الجنوبية تنمية كبرى.

وأن "البوليساريو" تراهن على كلمة تاريخية ابتدعتها بقولها أنها الممثل الشرعي الوحيد رغم أن المادة 13 من دستورها تمنعُ تأسيس الجمعيات والأحزاب السياسية، أي أنها فقط تمثيلية على محتجزين بطريقة ديكتاتورية، فكيف يحاور المغرب تنظيما سياسيا لا يؤمن بالمبادئ الديمقراطية، وليس له الإعتراف الدولي سوى بعض التمثيلية في الإتحاد الإفريقي التي ورثها أيام منظمة الوحدة الإفريقية حيث كانت تعكس منهج الحزب الواحد في الدول الإفريقية، لكن اليوم يُطرح التسائل حول تمثيلية جبهة "البوليساريو".

يُصر المغرب على أن تكون الجزائر طرف في أي مفاوضات مباشرة مع "البوليساريو" في المستقبل، لماذا يتمسك المغرب بهذا المطلب؟ وهل ستحرج الخطوة الجزائر؟.

طلب المغرب يأتي في إطار البحث والتوافق حول الجولة التي سيقوم بها المبعوث الأممي من أجل تحديد الملامح أو سيناريو للتفاوض، والتي أعلن عنها المغرب مرارا، أن المفاوضات لا يرجى منها حل سياسي مستدام وقابل للحياة في المنطقة ما لم تكن الجزائر طرف مباشر، لكن الجزائر تقول دائما أنها غير معنية بالمفاوضات، في حين الوقائع والأدلة، وما يفهمه العالم بكاملة يرى أن جبهة "البوليساريو" لا تمتلك قرارها السياسي المستقل وإرادتها هي إرادة الجزائر.

وأن حل قضية الصحراء بناء على المفاوضات سيتم عن طريق تعهدات والالتزامات تخصُ الأمن والسلم العالميين بالمنطقة، وفي الساحل وإفريقيا والدول المغاربية، ولا يمكن للمغرب ذات سيادة أن يأخذ تعهدات من تنظيم لا وجود له إلى في عقول بعض الأعداد وقلة القليلة من الساسة الذين يشتغلُون بالوكالة للجزائر، على هذا الأساس لا يمكن تصور للمفاوضات بدون الجزائر،

غير أن الجزائر ولا جبهة "البوليساريو" في اللحظة الراهنة غير معنية بإيجاد تسوية سياسية، لأنهم لا يمتلكون لا القدرة على تدبير أي تصور أو الإلتزام بتنفيذ التعهدات، سيما أن قرارا سابقا لمجلس الأمن في سنة 2017 أُنْتهك أكثر من مرة حتى أعاد التأكيد عليه القرار الأخير لمجلس الأمن في أبريل 2018، مما يدل أن الطرف الآخر غير جدي، وأكثر من ذلك لا توجد حسن نية فالمناورات العسكرية التي أقامتها الجزائر و"البوليساريو" بين الفينة والأخرى تحمل إستفزاز للمغرب، مما يجعل المفاوضات طريقها صعبة.

في نفس السياق، هل عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي ساهمت في عزل "البوليساريو"؟

عودة المغرب إلى الإتحاد الإفريقي إيجابي رغم أنه كان متأخرا، وأن ما يجمعُ المغرب بالإتحاد الإفريقي أكبر بكثير من قضية النزاع في الصحراء، والمغرب يُمارس سيادته الواقعية على الأقاليم الجنوبية، ولنا مصالح إقتصادية هائلة حتى أن المغرب لما كان خارج الإتحاد الإفريقي إحتل المرتبة الأولى في دول غرب إفريقيا من حيث الإستثمار والثاني بعد جنوب إفريقيا على مستوى القارة، مما يكشف عن مفارقة أن الجزائر التي تدعي أنها لسان حال إفريقيا متأخرة على مستوى الإستثمار، أي الجزائر تستفيد سياسيا لكنها لا تفيد إفريقيا إقتصاديا، مقارنة مع المغرب لا يستفيد سياسيا لكنه يفيد إقتصاديا.

وسبقت عودة المغرب للإتحاد الجولات المكوكية للملك محمد السادس لعدة دول إفريقية حتى التي تُخالفنا في موقفنا من القضية الوطنية، وكان النهج الأساسي لدى المغرب السير بدبلوماسية إقتصادية تتفهم الوضع الإفريقي الذي يحتاج إلى الإستقرار بدل اللعب على النزاعات السياسية عبر تعميق الخلافات بين الدول الإفريقية، واليوم يتبين أن مشكل الإنفصال التي تحاول أن تزرعه الجزائر وتعززه في إفريقيا أصبح طلبا موجودا وسط عدة دول مثل الكونغو، وثلاثة أقاليم تطالب بالإنفصال في نيجيريا، مما يشكل تهديدا لإفريقيا.

وأن تسجيل المغرب عضويته في مجلس السلم والأمن التابع للإتحاد الإفريقي ستمكن من الحد القرارات التي كانت تصدر بإسم جزائرية-وجنوب إفريقية ضد الوحدة الترابية، كما أن العودة سمحت للمغرب بأن يترأس لجنة إفريقيا، وأيضا  مقر المرصد الإفريقي للهجرة واللجوء سوف يكون في المغرب، هذا ما يعطي للمغرب أهمية كبرى على مستوى العلاقات الإقليمية والدولية، خصوصا في الجزئية المتعلقة بالهجرة التي تشكل تيمة في أي شراكة أوروبية وإفريقية، وهو ما نصت عليه القمة الإفريقية الأوروبية الآخيرة.

تلوَح "البوليساريو" كل مرة بحمل السلاح حينما تفشل في تحقيق مكاسب في مجلس الأمن، ما تفسيرك لذلك؟

التلويح بحمل السلاح من طرف "البوليساريو" يبقى مجرد دعاية من أجل جذب الإهتمام، بعدما أصبحت قضية الصحراء في ذيل الأولويات الدولية بحكم السيادة التي يمارسها المغرب أمنت منطقة الساحل والصحراء حتى لا تكون منطقة هشة.

كما أن التهديدات التي تُطلقها "البوليساريو" بحمل السلاح مجرد مزايدة على المجتمع الدولي، وخاصة أوروبا التي ترفضُ أن ينشب نزاع، لأن ذلك سيُكثف ويُشرعن الهجرة القادمة من جنوب الصحراء خاصة من المناطق المجاورة كموريتانيا ونيجيريا وتشاد وغيرها،

وجبهة "البوليساريو" ليس بوسعها أن تطلق رصاصة واحدة، سيما أن المغرب يترك المجال في المنطقة العازلة خاصة بطائرات الإستطلاع أو الحربية، وأي عدوان عسكري سيكون من التراب الجزائري، وهو ما سيطرحُ التساؤل حول مدى احترام مبدأ حسن الجوار في ما بين المغرب والجزائر، وأعتقد جازما أن الجزائر لا يمكن لها أن توافق "البوليساريو" على العودة إلى حمل السلاح، وهذا الأمر غير مقبول دوليا، وإذا ما إرتكبت جبهة "البوليساريو" لهذه المغامرة ستكون خاسرة بكل تأكيد.