شهدت مدينة الداخلة تنظيم ندوة دولية كبرى تخليدًا للذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء، تحت عنوان “المسيرة الخضراء.. ملحمة الوحدة ورهانات التنمية”، بمبادرة من مجلس جهة الداخلة وادي الذهب بشراكة مع مركز منظورّات للدراسات الجيوسياسية والاستراتيجية وموقع بلبريس.
وشارك في اللقاء ثلة من الأكاديميين والخبراء في القانون والعلاقات الدولية، الذين قدّموا قراءات فكرية وسياسية حول رمزية المسيرة الخضراء وما تمثله من استمرارٍ للمشروع الوطني في أبعاده التاريخية والتنموية والديبلوماسية.
صبري الحو: حلّ نزاع الصحراء يقوم على المفاهيم القانونية والسياسية والقبول الشعبي:
في مداخلته الموسومة بـ“حل نزاع الصحراء المغربية: الأسس والأركان والعناصر”، أكد الخبير في القانون الدولي صبري الحو أن صناعة المفاهيم هي المدخل الحقيقي لفهم النزاع وإدارته، موضحًا أن “المفاهيم لا تصنعها العامة، بل يصوغها المفكر والفيلسوف وصاحب النظرية، لأنها تؤسس للوعي وتمنح الشرعية للحقائق التاريخية.”

وأشار الحو إلى أن الصراع حول الصحراء ليس ميدانياً فحسب، بل صراع على المفاهيم والسرديات، قائلاً: “بينما نصنع نحن مفاهيم تكرّس شرعيتنا التاريخية ووحدتنا الترابية، هناك في الجهة المقابلة من يسعى إلى هندسة مفاهيم مضادة لعرقلة هذا المسار.”
واعتبر أن المسيرة الخضراء كانت ولا تزال مدرسة في الوعي والإرادة، “حركة موجهة لهدف وغاية واضحة، لا ارتجال فيها ولا فوضى”، لأنها جسّدت أولويات الوحدة قبل التنمية.
وأضاف أن “الرجحان القانوني، والتأكيد القضائي، والقبول الشعبي والاندماج الاجتماعي” تشكل الأركان الصلبة التي تثبت مغربية الصحراء من حيث القانون والسيادة والشرعية التاريخية.
وختم الحو بالقول إن “المغرب انتقل من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الفعل، مستندًا إلى وعي جماعي وفكر مؤسس، لأن الدفاع عن الوطن يبدأ من العقل قبل الميدان، ومن المفهوم قبل الخطاب.”
محمد الغالي: المغرب كسب معركة الصبر الديبلوماسي والإصرار على الوحدة
من جانبه، قدّم عميد كلية الحقوق بقلعة السراغنة الدكتور محمد الغالي مداخلة فكرية حملت بعدًا تأمليًا حول رمزية اللون الأخضر في تسمية المسيرة، متسائلًا: “لماذا الخضراء دون غيرها من الألوان؟”
وأوضح أن اللون الأخضر هو “اللون الوحيد الذي لا يختلف حوله البشر، لأنه يرمز إلى الأمل والحياة والنمو”، مضيفًا أن “المسيرة الخضراء كانت ولا تزال لون الأمل المغربي، ورمزًا للنماء والعمل والجدية.”

وأشار الغالي إلى أن ما تحقق من تلاحم داخلي واستقرار سياسي لم يكن ليتحقق لولا “الجهود المبذولة على مستوى الجبهة الداخلية، التي أمنت الإجماع الوطني حول قضية الوحدة الترابية.”
وقال: “العلاقات الدولية لا تبنى على الإحسان، بل على المصالح. وقد نجحت الدبلوماسية المغربية في إدارة هذا الملف بصبر استراتيجي وإصرار متزن منذ 1975، مرورًا بوقف إطلاق النار سنة 1991، وصولًا إلى مبادرة الحكم الذاتي سنة 2007 التي لم تأت من فراغ، بل كانت ثمرة نضج مؤسساتي وإرادة واقعية.”
وختم الغالي مداخلته بالتأكيد على أن المسيرة الخضراء ليست فقط ذكرى للتحرير، بل مدرسة في الدبلوماسية الهادئة والصبر الاستراتيجي، مضيفًا أن “المغرب كسب معركة الزمن والإصرار، ونجح في تحويل الصبر إلى سياسة، والوحدة إلى مسار تنموي.