في مشهد سياسي مثقل بالجدل، تلقّى ما يُعرف في الكواليس بـ «تجار التزكيات» داخل بعض الأحزاب ضربة موجعة، بعدما صادق المجلس الوزاري على مشروعين قانونيين يهمّان مجلس النواب والأحزاب السياسية، في خطوة توصف بأنها نقطة تحوّل حاسمة في معركة تخليق الحياة السياسية بالمغرب.
فعلى مدى عقود، ظل هؤلاء “التجّار” يجنون الثروات الطائلة كل موسم انتخابي، من خلال بيع وشراء التزكيات تحت أنظار زعماء حزبيين بارزين، لكنّ الرياح هذه المرة تسير عكس ما تشتهيه مصالحهم. إذ تأتي الإصلاحات الجديدة في سياق سياسي وطني مشحون بتراجع ثقة المواطنين في الأحزاب والبرلمان، خاصة في صفوف الشباب الذين عبّروا، في الشارع ووسائل التواصل، عن سخطهم من الفساد والزبونية والريع السياسي.
مشروع القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب يروم تطهير العملية الانتخابية و”تحصين البرلمان” من المفسدين، عبر منع كل من صدرت في حقه أحكام قضائية مخلة بالشرف من الترشح، وتشديد العقوبات ضد من يعبثون بنزاهة الانتخابات أو يستغلون المال السياسي للتأثير على الناخبين.
ويرى مراقبون أن هذه التعديلات ستُسقط رؤوساً انتخابية كبيرة ظلت لعقود تعتبر البرلمان مصدر ثروة لا وسيلة خدمة وطنية. إذ تؤكد الحكومة أن الهدف هو إعادة الثقة للمغاربة، عبر مؤسسات نزيهة وشفافة تمثل إرادة الشعب لا مصالح الأفراد.
الأكثر إثارة في هذه المشاريع هو البعد الثوري في تشجيع الشباب والنساء على اقتحام عالم السياسة. فقد خصص القانون دعماً مالياً يغطي 75% من مصاريف الحملات الانتخابية لفائدة المرشحين دون سن الخامسة والثلاثين، في محاولة جادة لضخ دماء جديدة في المشهد السياسي وقطع الطريق على الأعيان والمنتفعين من الريع الانتخابي.
كما نص المشروع على تخصيص الدوائر الجهوية للنساء حصرياً، تأكيداً لاستمرار سياسة التمييز الإيجابي التي انتهجها المغرب لتعزيز حضور المرأة داخل البرلمان، وتمكينها من لعب أدوار قيادية في صياغة القرار السياسي والتشريعي.
أما مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب، فيسعى إلى تجديد بنية العمل الحزبي وتكريس الشفافية والحكامة الداخلية، مع إلزام التنظيمات السياسية بفتح أبوابها أمام الشباب والنساء في الأجهزة التقريرية والتأسيسية، حتى لا تبقى حكراً على الوجوه القديمة وشبكات المصالح.
الشارع السياسي يترقب الآن مدى جدية هذه القوانين في التطبيق، فبين تفاؤل يرى فيها بداية عهد جديد للسياسة النظيفة، وتشكيكٍ يخشى أن تتحول إلى مجرد حبر على ورق، يظل الثابت أن زمن تجار التزكيات والريع الانتخابي بدأ يتصدع أمام وعي جيل جديد يطالب بالكرامة والشفافية والمحاسبة.