نورد الدين: دي ميستورا يقوم بمسألة خطيرة تخدم الجزائر (حوار)

في سياق التحركات الدبلوماسية المكثفة التي تشهدها نيويورك مع انطلاق أشغال الدورة الأممية، برز اللقاء الذي جمع وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، بالمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، ستافان دي ميستورا، يوم الاثنين 22 شتنبر 2025.

اللقاء جاء متأخرًا عن باقي اللقاءات التي عقدها بوريطة مع عدد من المسؤولين الدوليين، وهو ما أثار أكثر من سؤال حول خلفيات التوقيت ودلالاته، خاصة في ظل ما يطبع المرحلة من رهانات مرتبطة بجلسة مجلس الأمن المقبلة حول الصحراء.

ولإضاءة هذه المستجدات وما تحمله من رسائل ضمنية، أجرينا هذا الحوار مع الخبير في العلاقات الدولية وقضية الصحراء، أحمد نور الدين، الذي قدّم قراءة في أبعاد اللقاء وظلاله على المسار الأممي، وحذّر من بعض المخاطر التي قد تترتب عن طريقة تدبير الملف داخل الأمم المتحدة، كما بسط توقعاته بشأن مخرجات مجلس الأمن وما ينبغي أن يتضمنه القرار المرتقب لحماية المكتسبات المغربية.

وفيما يلي نص الحوار:


1. كيف تقرأون دلالة أن لقاء بوريطة مع دي ميستورا في نيويورك جاء متأخرًا عن باقي لقاءاته ؟

قد يكون تأخير اللقاء مرتبطًا بإكراهات الأجندة الدبلوماسية فقط، هذا احتمال وارد، ولكن قد يكون أيضًا رسالة مغربية بعدم الرضى وطفح الكيل من هذا المبعوث الذي راكم أخطاء سياسية ومهنية، تصب في عرقلة الطي النهائي للملف ومحاولة العودة بالمسار الأممي إلى نقطة الصفر ومعاكسة المغرب.

ونذكر من تلك الأخطاء الفادحة إعادة إحياء مقترح تقسيم الصحراء الذي طرحه عبد العزيز بوتفليقة منذ 23 سنة ورفضه المغرب بشكل قاطع في رسالة موجهة إلى رئيس مجلس الأمن آنذاك، وهي محاولة غير بريئة للتحايل على الانتصارات الدبلوماسية المغربية، ومحاولة خطيرة للتغطية على الدينامية التي أطلقها الاعتراف الأمريكي والفرنسي بمغربية الصحراء.

2. هل نفهم منكم أن دي ميستورا يعرقل طي الملف؟

ما يقوم به دي ميستورا لإبقاء الوضع جامدًا مسألة خطيرة لا تخدم الاستقرار الإقليمي ولا السلام العالمي، ولكنها بالتأكيد تخدم النظام العسكري الجزائري الذي يعتبر إدامة النزاع هدفًا استراتيجيًا في حد ذاته، لاعتبارات إقليمية وأخرى تهم وضعه الداخلي المتفجر.
وآخر مؤشر على ذلك في شتنبر 2025 هو هروب الجنرال عبد القادر حداد الملقب بناصر الجن، رئيس الاستخبارات الداخلية، مع ما يحمله من مؤشرات الانفجار الكبير الذي أوشك أن يقع في الجزائر بسبب صراع الأجنحة داخل الجيش الجزائري الذي بلغ حد اعتقال أزيد من 200 ضابط سامٍ من رتبة جنرال أو كولونيل حسب تقارير دولية وأخرى من المعارضة الجزائرية.

3. ما هي أبرز التوقعات لجلسة مجلس الأمن المقبلة في ظل الدينامية الدبلوماسية الحالية؟

أحذر من هذا المنبر من محاولة سرقة وقرصنة الانتصارات المغربية من خلال محاولة الالتفاف التي يقوم بها ستافان دي ميستورا والجهات التي تقف وراءه وتتبنى طرحه، سواء أكانت جهات إقليمية أم من الدول الكبرى التي تتغذى مصالحها بإدامة النزاعات.

لذلك لا يجب على الدبلوماسية المغربية أن تبقى في قاعة الانتظار لما سيجود به أعضاء مجلس الأمن من فذلكات، بل على دبلوماسيتنا أن تأخذ المبادرة وأن تمسك الثور من قرونه.

وفي هذا الإطار طالبنا منذ وقت طويل بإقالة المبعوث الشخصي للأمين العام وقدمنا الحجج الدامغة على انزلاقاته وميوله الجزائرية والانفصالية، وطالبنا منذ سنوات بإنهاء مهام المينورسو وقدمنا الحجج القانونية والسياسية على ذلك، رغم النيران الصديقة التي تعرضنا لها منذ 2018.

وبعد أن اقتنع الجميع بصواب طرحنا ها نحن اليوم نشهد محاولة بئيسة للالتفاف على مطلب إنهاء مهام المينورسو والإبقاء على مسمار جحا، من خلال ما يروج من إعطاء البعثة الأممية مهمة جديدة لتنفيذ الحكم الذاتي بدل إنهاء مهام المينورسو، وهو أمر بالغ الخطورة ولا يخدم المغرب بل سيعطي للبعثة الأممية شهادة ميلاد جديدة عوض أن يتم إعطاؤها شهادة وفاة، وسيطيل عمر النزاع بدل دفنه.
فهل هناك عقول استراتيجية في الخارجية المغربية لفهم خطورة الالتفاف؟ واستيعاب خطورة إطالة عمر البعثة الأممية لسنوات أخرى بدل طي الملف بإنهاء مهام المينورسو؟! أليس فيكم عقل رشيد!!

4. هل لديكم مقترحات ملموسة لما ينبغي أن يتضمنه القرار المقبل لمجلس الأمن؟

اعتبارًا لكل ما سبق، ولضمان الطي النهائي لملف الصحراء المغربية في الأمم المتحدة، وتفاديًا لأي محاولة اختطاف للانتصارات الدبلوماسية المغربية، نعيد التأكيد أن المطلوب في القرار المقبل لمجلس الأمن أن يتضمن ما يلي: أولا ترجمة حرفية واضحة للاعتراف الأمريكي والفرنسي بمغربية الصحراء لا من حيث شكل القرار ولا من ديباجته ولا من حيث مضمونه، ولا من حيث منطوقه على وجه التحديد أي التوصيات.

ثانيا، إقالة دي ميستورا، مع تعليل الإقالة بسلسلة الأخطاء المهنية والسياسية التي أوردناها في مقالات متعددة.

ثالثا، إنهاء مهام المينورسو لأنها لم تعد ذات موضوع للأسباب القانونية والسياسية التي فصلنا فيها في مقالاتنا.

رابعا، تفكيك مخيمات تندوف وعودة اللاجئين المدنيين بعد التحقق من هويتهم في أجل لا يتجاوز السنة.

خامسا، تسليم سلاح الميليشيات الانفصالية داخل نفس الأجل.

سادسا، تحميل الجزائر مسؤولية عرقلة إحصاء اللاجئين خلال الثلاثين سنة الماضية، وكل التبعات المترتبة عن ذلك من: خرق لاتفاقية حماية اللاجئين، وعسكرة للمخيمات وعدم الفصل بين المدنيين والمسلحين داخلها، ومصادرة حقوق اللاجئين، وتجنيد للأطفال، وغيرها.

سابعا، تحميل الجزائر المسؤولية القانونية والتبعات السياسية والدبلوماسية لأي عرقلة في تنفيذ هذه البنود.

5. وماذا عن اللجنة الرابعة وعلاقتها بالملف؟

طبعًا ما قلناه عن مجلس الأمن وقراره المقبل لا يلغي ولا يتناقض مع ما طالبنا به منذ سنوات أيضًا، موازاة مع مجلس الأمن، ألا وهو التجند الكامل والحازم داخل اللجنة الرابعة للأمم المتحدة من أجل التصويت على قرار يقضي بأن إقليم الصحراء محل النزاع، جزء لا يتجزأ من المملكة المغربية، وأن هذا الإقليم الجغرافي قد حقق فعلًا تصفية الاستعمار الإسباني الذي من أجله دخل الملف إلى هذه اللجنة منذ بداية الستينيات. هذا القرار هو السبيل الوحيد للطي النهائي للملف وبغير رجعة.

أما شكل وطريقة الحكم الذاتي فيجب إعادة النظر فيها، لأن ما كان يطرحه المغرب سنة 2007 قد تم رفضه من طرف الجبهة الانفصالية وحاضنتها الجزائرية خلال كل السنوات الماضية، ولا شيء يجبرنا على إبقاء نفس العرض بعد مرور 18 سنة، بل علينا أن نسحبه من الطاولة كما هو الحال في كل المفاوضات المماثلة، وتعويض ذلك بصلاحيات جهوية تشمل كل جهات المملكة على حدّ سواء كما هو معمول به في إسبانيا وألمانيا أو حتى المملكة المتحدة، وإلا فلن يبقى هناك أي معنى لاعترافات الدول بسيادة المغرب، ولا لمطالبة المغرب بتلك الاعترافات.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *