كشف “الأطلس السوسيو-ديمغرافي الإقليمي”، الصادر عن المندوبية السامية للتخطيط، عن صورة مركبة للمغرب المعاصر، تبرز تباينات صارخة بين المناطق الحضرية والريفية، وبين شمال المملكة وجنوبها، سواء في مؤشرات الزواج والخصوبة، أو في نسب الطلاق والترمل والإعاقة. وهو ما يعكس بلدًا يسير بسرعتين اجتماعيتين وديموغرافيتين مختلفتين.
على الصعيد الوطني، حدّد التقرير معدل الخصوبة الإجمالي للنساء في سن الإنجاب (15-49 سنة) في 1.97 طفل لكل امرأة، مع تسجيل تباين واضح: 1.77 طفل بالمدن مقابل 2.37 بالقرى. كما بيّن أن متوسط عمر الزواج الأول يصل إلى 32.4 عامًا لدى الرجال، مقابل 24.6 عامًا لدى النساء، وهو مؤشر يفضح تفاوتًا مجاليًا في سن الزواج بين القرى والمناطق الحضرية.
وفي ما يخص الإعاقة، أورد التقرير أن معدل انتشارها انخفض بشكل طفيف من 5.1% سنة 2014 إلى 4.8% سنة 2024، لكنه يظل أعلى في العالم القروي بنسبة 5.6%، مقابل 4.2% في الوسط الحضري.
أما المعطيات الخاصة بالحالة العائلية، فأظهرت تباينات جغرافية لافتة. إذ تتركز أعلى نسب العزوبة، التي تتجاوز 35% بين السكان البالغين 15 سنة فما فوق، في كبريات المدن الساحلية مثل الرباط والدار البيضاء، وكذلك في طنجة وأصيلة والمضيق وتطوان وشفشاون والحسيمة والدريوش والناظور وتاوريرت ووجدة وجرادة، فضلًا عن أقاليم جنوبية وداخلية مثل ورزازات وطاطا وآسا الزاك وطانطان والسمارة ووادي الذهب.
في المقابل، تسجل أعلى نسب الزواج التي تفوق 61% في المناطق الداخلية والجبلية، وتشمل أقاليم الأطلس المتوسط والكبير مثل خنيفرة وأزيلال وبني ملال وميدلت، إضافة إلى مناطق بالريف كتاونات وشفشاون، وأقاليم أخرى مثل سطات والرحامنة وقلعة السراغنة وخريبكة والحوز وتارودانت وشيشاوة. أما أدنى نسب الزواج (أقل من 56%) فتسجّل في المحور الساحلي الأطلسي الممتد من طنجة إلى الدار البيضاء مرورًا بالرباط، وأيضًا في بعض الأقاليم الجنوبية مثل طاطا وآسا الزاك وطانطان والسمارة.
بالموازاة، كشف التقرير أن نسب الطلاق تعرف بدورها تركزًا مجاليًا لافتًا، حيث سجلت الأقاليم الجنوبية مثل العيون وطرفاية وطانطان ووادي الذهب أعلى المعدلات وطنيًا، بأكثر من 3.75%. تليها مدن كبرى مثل الرباط وسلا والمحمدية والدار البيضاء، فضلًا عن مناطق داخلية كفاس ومكناس والخميسات وصفرو والحاجب وإفران وخنيفرة وبني ملال والفقيه بن صالح وميدلت، وصولًا إلى فكيك ووجدة وبركان.
أما نسب الترمل، فقد ارتفعت بشكل واضح في الأقاليم القروية والجبلية لتتجاوز 6%، خاصة بالأطلس الكبير والصغير وسوس، وتشمل أقاليم تارودانت وتيزنيت وشيشاوة والحوز وطاطا، إلى جانب مناطق في الريف مثل تاونات وشفشاون وخريبكة. وعلى النقيض، تبقى الأقاليم الجنوبية الأقل تسجيلًا لحالات الترمل وطنيًا، حيث تقل عن 4% في العيون وبوجدور والسمارة ووادي الذهب وأوسرد، بينما تسجل المدن الكبرى الساحلية كطنجة والرباط والدار البيضاء نسبًا منخفضة بدورها.
وفي ما يخص متوسط العمر عند الزواج الأول للإناث، أوضح التقرير أن النساء في المناطق الريفية والجبلية يتزوجن في سن مبكر يقل عن 23.5 سنة. وتشمل هذه الخريطة مناطق واسعة بالريف (شفشاون، تاونات، تازة، جرسيف)، والأطلس المتوسط (إفران، الحاجب، صفرو، خنيفرة، ميدلت، بني ملال، أزيلال)، والمنطقة الشرقية (فكيك، الراشيدية)، إضافة إلى الأطلس الكبير ومحيطه كأقاليم ورزازات وزاكورة والحوز وشيشاوة.
كما أظهرت الخرائط الديموغرافية تباينًا واضحًا في الخصوبة؛ ففي الوقت الذي تسجل فيه الأقاليم الجنوبية، إلى جانب بعض المناطق الريفية بالشمال كتاونات وشفشاون، أعلى معدلات الإنجاب بمتوسط يفوق 2.3 طفل لكل امرأة، تعرف المدن الكبرى على المحور الأطلسي مثل الدار البيضاء والرباط والقنيطرة أدنى المعدلات، إذ تنخفض إلى أقل من 1.8.
وبالمثل، تبرز الفوارق في معدلات انتشار الإعاقة، حيث تجاوزت 6% في الأقاليم الجبلية والشرقية، خصوصًا بتازة وتارودانت وشفشاون والحوز، بينما لم تتعد 4% في الأقاليم الجنوبية، التي سجلت أدنى المعدلات على الصعيد الوطني.
لتخلص المندوبية السامية للتخطيط من خلال هذا الأطلس، إلى أن المغرب اليوم يسير بسرعتين متناقضتين: مناطق حضرية تتسم بارتفاع نسب العزوبة وانخفاض الخصوبة، مقابل مناطق قروية وجبلية تتسم بزواج مبكر وخصوبة مرتفعة، في صورة معقدة لمجتمع يوازن بين تحولات الحداثة وثقل التقاليد.