بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لاعتلاء جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، العرش، صدر عفو ملكي سامٍ شمل 19,673 شخصاً من المعتقلين والموجودين في حالة سراح. هذه المبادرة، التي جاءت في لحظة دقيقة، اعتُبرت خطوة إنسانية واجتماعية غير مسبوقة، لما تحمله من أبعاد تمس الأفراد والعائلات والمجتمع برمّته. فقد مثّل العفو فرصة استثنائية للتنفيس عن السجون المغربية، وبارقة أمل لعشرات الآلاف من الأسر التي تنتظر عودة أبنائها إلى حضنها.
تحديات الاكتظاظ وأرقام مقلقة
تزامن هذا القرار مع وضعية صعبة تعيشها المؤسسات السجنية المغربية، حيث بلغ عدد النزلاء 105,094 سجيناً مع نهاية سنة 2024، وفق التقرير السنوي للمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج. وهو رقم غير مسبوق يعكس حجم الاكتظاظ الذي أثار قلق الخبراء والمتابعين، لما له من تداعيات على جودة ظروف الاعتقال وعلى مردودية برامج التأهيل وإعادة الإدماج. وقد اعتُبر العفو خطوة عملية لتخفيف الضغط عن هذه المؤسسات، التي تجد نفسها أمام تحديات متزايدة في تسيير شؤونها وضمان كرامة النزلاء.
بعد إنساني يلامس الفئات الهشة
لم يتوقف أثر العفو عند حدود تقليص الأعداد داخل السجون، بل شمل أبعاداً إنسانية عميقة، حيث استفادت منه الفئات الهشة من المرضى والمسنين والنساء الحوامل أو المرفقات بأطفال. وهو ما يجسد عناية ملكية سامية تتجاوز الجانب القانوني نحو حماية الكرامة الإنسانية وصون الحقوق الأساسية، في رسالة واضحة بأن الرأفة والإنصاف قيمتان حاضرتان في فلسفة العدالة المغربية.
عدالة تصالحية بدل العقاب المحض
يرى محللون أن العفو الملكي يكرس توجهاً نحو عدالة تصالحية أكثر من اقتصارها على العقاب المحض. فالعفو هنا لا يُفهم كمجرد تسامح أو تقليص عقوبة، بل كآلية لإعادة بناء الثقة بين الفرد والدولة، ومنح المستفيدين فرصة جديدة للاندماج في المجتمع. هذا التوجه يسعى إلى إيجاد توازن دقيق بين حماية الأمن المجتمعي من جهة، وضمان حقوق الإنسان وإعادة إدماج السجناء من جهة أخرى، بما يعكس إرادة سياسية لإرساء منظومة عدالة أكثر إنصافاً وإنسانية.
انعكاسات تتجاوز السجون
من المرتقب أن تكون لهذا القرار انعكاسات إيجابية على المدى المتوسط، سواء من حيث تحسين ظروف الاعتقال عبر تخفيف الاكتظاظ، أو رفع نجاعة برامج التأهيل بإتاحة موارد أكبر لكل سجين. كما ينتظر أن يسهم في إعادة الأمل لعائلات طال انتظارها لعودة ذويها، فضلاً عن تعزيز صورة المغرب كبلد يوازن بين سيادة القانون والاعتبارات الإنسانية، ويثبت التزامه بمسار إصلاح العدالة الجنائية.
العفو الملكي الأخير لم يكن مجرد إجراء بروتوكولي مرتبط بمناسبة وطنية كبرى، بل رسالة قوية بأن الإصلاح والرحمة يسيران جنباً إلى جنب. إنه تأكيد على أن العدالة في المغرب لا تقتصر على العقاب، بل تتجه نحو بناء مجتمع متماسك يمنح الفرص الثانية، ويكرس قيماً إنسانية عميقة في ظل القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس.