“دارت” موضوع أطروحة بإيطاليا

رغم توسع النظام البنكي الرسمي وتعقّد أدوات الادخار والتمويل، لا تزال ملايين الأسر المغربية، داخل البلاد وخارجها، متمسكة بشكل تقليدي من الادخار الجماعي يُعرف محلياً باسم “دارت”. هذه الممارسة، التي تجمع بين الطابع الشعبي والاقتصادي، شكّلت موضوع أطروحة جامعية حديثة للباحثة المغربية-الإيطالية مريم ظهير، ناقشتها في 22 يوليوز الجاري بجامعة بافيا الإيطالية.

أطروحة ظهير لم تكتف بوصف “دارت” كآلية لتبادل الأدوار في الحصول على مبلغ متفق عليه شهرياً بين مجموعة محدودة من الأفراد، بل تعمّقت في أصولها الثقافية ومقومات صمودها في وجه العروض البنكية الحديثة. وخلصت إلى أن نحو 80 في المائة من المستجوبين سبق لهم أن شاركوا في “دارت” مرة واحدة على الأقل، سواء في المغرب أو ضمن الجالية المغربية المقيمة بإيطاليا.

تقوم “دارت” على شبكة من الثقة المتبادلة بين أفراد المجموعة، دون حاجة إلى ضمانات أو عقود مكتوبة أو وساطة بنكية. إنها ممارسة بسيطة ومرنة تُبنى على مبدأ التكافل، وتُدار بمبالغ تختلف حسب الإمكانيات الفردية، لكنها تحافظ على طابعها غير الرسمي. اللافت أن هذه الصيغة لا تنحصر جغرافياً، بل تستمر في الحياة اليومية لمغاربة المهجر، الذين يجدون فيها أداة مزدوجة: للحفاظ على ارتباطهم بالثقافة الأصلية من جهة، ولمواجهة تحديات العيش في مجتمع مضيف من جهة أخرى.

وقد رصدت الدراسة توجهات جديدة لدى بعض الفاعلين البنكيين في القارة الإفريقية، من ضمنهم مؤسسات مغربية، نحو رقمنة هذا النموذج الشعبي، عبر تطوير منصات مستلهمة من “جمعيات الادخار والإقراض”، وهو ما يعني عملياً محاولة إدماج “دارت” في المنظومة البنكية الرسمية. وتُقدّر المعاملات السنوية لهذا الشكل الادخاري بنحو 40 مليار درهم، أي ما يمثل 28 في المائة من إجمالي الإيداعات في البنوك المغربية، بحسب أرقام بنك المغرب.

لكن مسار الرقمنة هذا لا يخلو من أسئلة مقلقة. كيف يمكن نقل عنصر الثقة، الذي يشكّل عماد “دارت”، إلى منصات إلكترونية؟ كيف يمكن ضمان اندماج من لا يملكون الدراية الكافية بالوسائط الرقمية؟ وكيف يمكن صياغة تقنين ذكي لا يخنق روح هذه الممارسة أو يُفرغها من مضمونها التضامني؟

في هذا السياق، تشدد الباحثة على أن الممارسات المتجذرة لا تُلغى بمرسوم تقني، بل ينبغي الاعتراف بها وتعزيزها بمقاربات مرنة تراعي الواقع المعاش وتبني عليه. الرقمنة، في منظورها، ليست بديلاً، بل مساراً تطويرياً مشروطاً بالحفاظ على روح “دارت”.

ويبقى هذا النموذج، الذي يشبه ما يُعرف في بعض الأوساط بـ”القُرعة”، نموذجاً حياً لاقتصاد شعبي قاوم الزمن، وجدّد نفسه في البيئات المختلفة التي انتقل إليها المغاربة. ورغم بعض الانتقادات التي تصدر من بعض الفقهاء و”الوعّاظ الرقميين”، الذين يشككون في مشروعيته بدعوى ما يحقق من “نفع مشبوه”، فإن “دارت” تظل، كما تراها الأطروحة، آلية وظيفية قادرة على الإسهام في بناء اقتصاد أكثر شمولاً، يعبّر عن النسيج الاجتماعي ولا يهمّشه.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *