شهدت السنوات الأخيرة صعودًا سريعًا لمنصات النقل الرقمية مثل "أوبر" و"InDriv" و"Careem" في العديد من المجتمعات، بما في ذلك المغرب، مما أثار جدلًا واسعًا حول تأثيرها على سائقي سيارات الأجرة التقليدية.
ويعتقد البعض أن هذه المنصات تمثل منافسة غير عادلة، لكن ورقة بحثية للاقتصادي فاروق الزوري تقدم قراءة أعمق لهذا الوضع، مشيرة إلى أن الأمر يتجاوز مجرد المنافسة ليكشف عن تحولات اقتصادية وسياسية ومؤسساتية جوهرية.
وفقًا للورقة، فإن ظهور منصات النقل الرقمية يندرج ضمن منطق "التدمير الخلاق" الذي وصفه الاقتصادي جوزيف شومبيتر، حيث تقلب الابتكارات التكنولوجية التوازنات القائمة وتستبدل الأنظمة التقليدية بأخرى أكثر كفاءة.
وتوفر هذه المنصات جودة خدمة أعلى، مع انضباط في الوقت وراحة أكبر للمستخدمين، كما تقلل الفجوات المعلوماتية بفضل أنظمة التقييم والتعليقات، ومع ذلك، فإن هذه التحولات تأتي بتكلفة اجتماعية، مثل فقدان الوظائف في القطاع التقليدي، مما يبرز الحاجة إلى دور استباقي للدولة في مواكبة هذه التغيرات عبر التكوين وإعادة التأهيل.
أحد المحاور الرئيسية التي تطرحها الورقة هو "المأذونيات" الذي يعمل بموجبه سائقي سيارات الأجرة التقليدية، بحيث يُوصف هذا النظام بأنه مصدر لعدم الكفاءة والظلم الاجتماعي، حيث يتم تأجير المأذونيات بسعر مرتفع يصل إلى 400 درهم يوميًا، مما يضع السائقين في وضعية خسارة أولية منذ بداية يومهم.
كما أن منح هذه المأذونيات غالبًا ما يتم بناءً على معايير غير محددة، مما يعزز عدم المساواة، وبالتالي فإن المنصات الرقمية لم تخلق مشكلة جديدة، بل كشفت عن مظالم كانت قائمة في النظام التقليدي.
تؤكد الورقة أيضًا على البعد السياسي لهذا الصراع، حيث يُستخدم نظام المأذونيات كأداة للمكافأة ، مما يجعل أي إصلاح جذري يهدد مصالح فئة مترسخة.
في المقابل، تستفيد المنصات الرقمية من ديناميكية الاقتصاد الشبكي والبيانات الشخصية، مما يثير أسئلة حول السيادة الرقمية ودور الدولة في تنظيم هذه المنصات وحماية البيانات.
من وجهة نظر المستخدمين، تمثل المنصات الرقمية تقدمًا واضحًا، حيث توفر أسعارًا تنافسية، جودة خدمة محسنة، وخيارات أوسع، وهذا التحسن في المنفعة الفردية يفسر الانتشار السريع لهذه المنصات رغم مقاومة القطاع التقليدي.
وتخلص الورقة إلى أن التحدي الحقيقي ليس في حظر المنصات الرقمية أو حمايتها، بل في إصلاح النظام القائم لضمان توازن بين الكفاءة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية.
ويتطلب ذلك من الدولة أن تلعب دورًا فاعلًا في تنظيم السوق، دعم الابتكار، وضمان حقوق جميع العاملين في القطاع، سواءً كانوا مرتبطين بالمنصات الرقمية أو بالقطاع التقليدي، بهذا المعنى، تصبح المنصات الرقمية مرآة تكشف عن اختلالات عميقة في المنظومة الاقتصادية والمؤسساتية، وتستدعي إصلاحًا هيكليًا شاملاً.