تحليل : النظام الجزائري يكرّس الأزمات ويختلق العداء مع فرنسا لإلهاء الشعب عن فشله الذريع

مرة أخرى، يلجأ النظام الجزائري إلى لعبة التصعيد المصطنع مع فرنسا، محوّلاً قضية دبلوماسية روتينية إلى أزمة مفتعلة، في محاولة يائسة لإلهاء الرأي العام عن إخفاقاته الداخلية الكارثية. فبدلاً من معالجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي أنهكت الشعب الجزائري، يختار النظام تصدير فشله عبر خطابات عدائية فارغة، يعرف مسبقاً أنها لن تؤدي إلا إلى مزيد من العزلة الدولية.

لقد كشفت الأزمة الأخيرة حول الموظفين الدبلوماسيين مدى انتهازية النظام الجزائري، الذي يحوّل كل خلاف إلى ذريعة لتصعيد خطابه الوطني الزائف. فبينما يعاني المواطن الجزائري من انهيار القدرة الشرائية وتراجع الخدمات الأساسية، تُنفق الدولة طاقتها ومواردها في معارك دبلوماسية غير مجدية، فقط لخلق عداء خارجي يُلهي به الشعب عن سوء الإدارة والفساد المستشري.

وزير الخارجية الجزائري يتحدث عن "إجراءات سيادية" و"ردود حازمة"، لكنه ينسى أن السيادة الحقيقية تبدأ بتحقيق الاكتفاء الذاتي للشعب، وليس بتبديد الأموال في صراعات دبلوماسية مفتعلة. النظام الذي يعجز عن توفير أبسط مقومات العيش الكريم لمواطنيه ليس في موقع يسمح له بتبني خطاب التحدي والاستعلاء. فما قيمة "السيادة" في بلد يعتمد بشكل شبه كلي على عائدات النفط والغاز، بينما ينهب مسؤولوه المال العام بلا حسيب ولا رقيب؟

الأمر الأكثر سخرية هو أن النظام الجزائري يتهم فرنسا بـ"اختلاق الأزمات"، بينما هو نفسه من يغذّي هذه الأجندة العدائية منذ سنوات. فبدلاً من بناء اقتصاد منتج ودولة قوية قادرة على حماية مصالحها دون الحاجة إلى خطابات ضحية، يفضل النظام استمرار نهج التبعية الاقتصادية مع التظاهر بالعداء السياسي. إنه تناقض صارخ يكشف زيف الخطاب الرسمي، الذي يخفي خلفه فشلاً ذريعاً في تحقيق أي إنجاز حقيقي للجزائر وشعبها.

ختاماً، لن تخدع هذه المسرحية أحداً. فالشعب الجزائري يدرك جيداً أن التصعيد مع فرنسا ليس سوى ستار يُخفي وراءه عجز النظام عن مواجهة مشاكله الحقيقية. فليتوقفوا عن بيع الأوهام، وليواجهوا الشعب بشفافية: كم ملياراً من الدولارات هُرّبت إلى الخارج؟ كم من المشاريع الفاشلة تم تمويلها؟ وأين هي "السيادة" حين يتعلق الأمر بتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الحقيقية؟ النظام الجزائري يلعب بالنار، والأيام ستثبت أن الشعب لم يعد يُصدّق الأكاذيب.

 

هذا وأعلنت الجزائر اطلاعها على قرار السلطات الفرنسية استدعاء سفير فرنسا في الجزائر لديها للتشاور، ومطالبة 12 موظفًا قنصليًا ودبلوماسيًا جزائريًا بمغادرة التراب الفرنسي. وترى البلاد أن ما يجري على الجانب الفرنسي ليس سوى “مسرحية مفتعلة” من قبل وزير الداخلية برونو روتايو.

وفي تصريح للإذاعة الوطنية، أكد سفيان شايب كاتب الدولة لدى وزير الشؤون الخارجية، المكلّف بالجالية الوطنية في الخارج، أن “الجزائر أخذت علماً بالقرار الفرنسي”، مضيفًا: “لا نملك بعد كل التفاصيل الدقيقة حول الأشخاص المعنيين بهذا القرار الجديد الذي نأسف له”.

وأكّد أن “الأزمة والتوتر الحاليين هما نتيجة مباشرة لهذه المؤامرة وهذه المسرحية المفتعلة بالكامل من قبل وزير داخلية هذا البلد، الذي أعاد إحياء قضية تعود لأكثر من ثمانية أشهر، تتعلق باختطاف مزعوم لهذا الشخص (أمير بوخرص، المدعو أمير دي زاد)، والتي استُخدمت، للأسف، كنقطة انطلاق لمناورة جديدة تهدف إلى تقويض العلاقة الثنائية والديناميكية التصاعدية التي أرادها قائدا البلدين، الرئيس عبد المجيد تبون ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون”.

وفي السياق ذاته، ذكّر ممثل الحكومة بأن الجزائر “أشارت بوضوح في البيان الصادر في 14 أبريل المنصرم إلى أن قرار طرد الموظفين العاملين في وزارة الداخلية الفرنسية مبرَّر من خلال الطابع الاستثنائي للأزمة والتوتر الذي خلقه وزير الداخلية الفرنسي (برونو روتايو) حول قضية توقيف موظف قنصلي جزائري في فرنسا”. وتابع قائلًا: “وفي الوقت نفسه، نذكّر بمضمون بياننا الأخير، الذي أشرنا فيه بوضوح إلى أنه بإمكاننا، في إطار رد حازم، اتخاذ إجراءات جديدة وفقًا لمبدأ المعاملة بالمثل”.