في الوقت الذي كان المواطن المغربي يعاني من ارتفاع جنوني في أسعار الأضاحي خلال عيد الأضحى الماضي، كانت وزارة الفلاحة والصيد البحري، وصفها مراقبون بـ"مضللة لتبرير هدر الملايير من أموال الشعب"، وها نحن أمام المعرض الدولي للفلاحة في الوقت الذي اتجه البعض لوصف القطاع الفلاحي بـ"الفاشل"، وكيف سنستدعي المسؤولين عبر العالم من أجل زيارة المعرض، ونحن بدون ماشية كافية من أجل الأضحية للمغاربة بالرغم من الدعم الذي لم ينعكس على المواطنين..
فبعد أن كشف الأمين العام لحزب الاستقلال عن صرف 13 مليار درهم كدعم لاستيراد الأغنام دون أي أثر على الأسعار، خرجت الوزارة ببيان غامض يحاول تبرير الفشل الذريع في تدبير هذا الملف.
ما يثير الاستغراب هو التناقض الصارخ بين تصريحات المسؤولين. فبينما تحدث الأمين العام لحزب الاستقلال عن 13 مليار درهم كدعم لاستيراد الأضاحي، حاول وزير الصناعة والتجارة التقليل من حجم الفضيحة بالحديث عن 18 مستوردًا فقط كمتلقين لهذا الدعم. أما رئيس مجلس النواب، رشيد الطالبي العلمي، فاكتفى بدور المبرر الرسمي للوزارة، مما زاد من حدة الشكوك حول وجود تلاعب ممنهج في الملف.
النائبة البرلمانية سلوى البردعي، عضو المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، كشفت زيف الأرقام المقدمة من الوزارة، مؤكدة أن البلاغ الحكومي الأخير لم يكن سوى محاولة يائسة لتضليل الرأي العام. وأوضحت البردعي أن هذا الدعم تحول إلى وسيلة لتمويل فئة محدودة من المستوردين المقربين من دوائر النفوذ، بينما ظل الفلاحون الصغار يعانون من الإقصاء والتهميش.
تتغنى الوزارة بنجاح "المخطط الأخضر" و"الجيل الأخضر"، لكن الواقع يكشف العكس تمامًا. فبينما يتم ضخ المليارات لصالح كبار المستوردين، يعاني المواطن من ارتفاع غير مسبوق في أسعار اللحوم، وتدهور مستمر في القوة الشرائية. كما أن غياب الشفافية في توزيع الدعم يطرح تساؤلات خطيرة حول مدى استفادة القطاع الفلاحي الحقيقي من هذه الأموال الطائلة.
في ظل هذا التعتيم الحكومي، أصبح من الضروري فتح تحقيق برلماني وقضائي عاجل للكشف عن المستفيدين الحقيقيين من هذه الأموال، ومحاسبة المسؤولين عن إهدار المال العام. كما يجب إعادة هيكلة نظام الدعم الفلاحي لضمان وصوله إلى الفلاحين الصغار بدلاً من حصر الاستفادة في لوبيات المستوردين، حسب مصادر متطابقة.
ويرى مراقبون، أنه لم يعد المواطن المغربي يصدق البيانات الرسمية التي تروج لها الوزارة، خاصة بعد أن كشفت الأحداث عن فشل ذريع في تدبير ملف دعم الأضاحي. فإما أن تفتح الحكومة تحقيقًا جادًا وتكشف الحقيقة كاملة، أو أن يتحمل المسؤولون عواقب خداعهم للشعب، علما أن الأسعار لم تنخفض رغم الوعود المقدمة من الوزارة بعد الدعم.
فبعد جدل الأرقام حول استيراد الأغنام والأبقار، أفادت وزارة الفلاحة بأن تكلفة عملية دعم الحكومة لتشجيع الاستيراد الاستثنائي للأغنام الموجهة لعيد الأضحى برسم سنتي 2023 و2024 بلغت ما مجموعه 437 مليون درهم. وقدمت الوزارة أرقاما تخص فقط استيراد الأغنام دون الأبقار.
وأوضحت الوزارة، في بلاغ حول « عملية دعم الاستيراد الاستثنائي للأغنام الموجهة لعيد الأضحى برسم سنتي 2023 و2024″، أن 193 مليون درهم تم توجيهها لهذه العملية برسم سنة 2023، و244 مليون درهم برسم سنة 2024.
وأضافت أنه تم استيراد ما يناهز 875 ألف رأس من الأغنام، منها 386 ألف رأس خلال سنة 2023، و489 ألف رأس خلال سنة 2024.
وأشار البلاغ إلى أنه قد تم فتح المجال أمام جميع المستوردين الذين تتوفر فيهم الشروط المنصوص عليها في القرار الوزاري المشترك بين وزارة المالية ووزارة الفلاحة، موضحا أن عدد المستوردين الذين تمكنوا من الانخراط في مسطرة الاستيراد هو 156 مستوردا (61 مستورد سنة 2023، و95 مستورد سنة 2024).
وذكرت الوزارة أن « عملية استيراد الماشية لا تزال مفتوحة، مع استمرار العمل بتعليق الرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة ».
وأكد المصدر ذاته أن هذه الإجراءات كان لها أثر ملموس على توفير وتعزيز العرض من الأغنام خلال عيد الأضحى لسنتي 2023 و2024، علاوة على المساهمة في الحفاظ على القطيع الوطني، مبرزا أنها مكنت كذلك من ضمان تموين الأسواق باللحوم الحمراء والمحافظة على استقرار الأسعار وعدم ارتفاعها إلى مستويات قياسية.
وتابع أنه في ظل ارتفاع نسب التضخم عالميا وتوالي سنوات الجفاف، أقرت الحكومة منذ تنصيبها حزمة إجراءات تروم دعم القدرة الشرائية للمواطنين على غرار إعفاء مجموعة من المواد الأساسية ذات الاستهلاك الواسع من الضريبة على القيمة المضافة، فضلا عن إقرار إعفاءات جمركية على عدد من المنتجات (القمح اللين والماشية والمعدات الموجهة للاستخدام الفلاحي)، وهو ما كان له أثر إيجابي على أسعار عدد من المواد الأساسية.
وسجلت الوزارة أنه بالنظر إلى الظرفية الراهنة، المطبوعة أساسا بتوالي سنوات الجفاف التي أثرت بشكل سلبي على الموفورات العلفية، وساهمت في تراجع كبير لأعداد القطيع الوطني وارتفاع أسعار اللحوم الحمراء بشكل ملحوظ، وأخذا بعين الاعتبار أن تعليق الرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة المطبقة على استيراد الأغنام لم يكن لوحده كافيا لرفع وتيرة الاستيراد وتحقيق وفرة في الأغنام خلال عيد الأضحى، فقد اتخذت الحكومة إجراءات استثنائية إضافية خلال سنتي 2023 و2024، من خلال تخصيص دعم يقدر بـ500 درهم لكل رأس من الأغنام الموجهة للذبح خلال عيد الأضحى.
وخلص البلاغ إلى أن تعليق الرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة لم ينتج عنه أي أثر مالي على ميزانية الدولة، بالنظر لكون تطبيق هذه الرسوم خلال السنوات الماضية (200 في المائة) كان ذا طابع حمائي للقطيع الوطني ولم يكن يدر على خزينة الدولة أية موارد.