إهدار المال العام: تسابق الوزراء على شراء وكراء السيارات في وقت تتزايد فيه التحديات الاقتصادية
في إطار مساعي بعض الوزراء لتحفيز الأداء الحكومي، تسابق العديد منهم على توقيع عقود لشراء وكراء سيارات جديدة، معتبرين أن هذه الخطوة هي السبيل الأمثل لتحفيز كبار الموظفين على بذل المزيد من الجهد في عملهم، وتقديم مستويات عالية من الإنتاجية. وهذا الاعتقاد يعكس نوعًا من التفاؤل غير المدروس، حيث يعتقد هؤلاء أن توفير سيارات فاخرة وكلفتها العالية ستسهم في تحسين الأداء الوظيفي. ولكن في الواقع، هذا الإجراء يتجاهل التكاليف الباهظة التي يتحملها القطاع العام، حيث أن أسطول سيارات الدولة، الذي يضم سيارات القطاع العام، والقطاع شبه العمومي، فضلاً عن سيارات المسؤولين المنتخبين في المجالس الترابية، يكلف الدولة أكثر من 200 مليار سنتيم سنويًا. هذا المبلغ يشمل تكلفة شراء السيارات الجديدة، صيانتها بشكل دوري، بالإضافة إلى الأموال المخصصة لتوزيع "بونات المحروقات" التي تُمنح للمسؤولين، ما يشكل عبئًا إضافيًا على الميزانية العامة.
رغم التحذيرات الصارمة التي وردت في تقارير المجلس الأعلى للحسابات، والتي سلطت الضوء على إهدار هذه الموارد المالية الضخمة بطريقة غير مبررة، وإشارة التقارير إلى ضرورة إعادة النظر في تخصيص الأموال لهذا القطاع، فإن بعض الوزراء وبعض كبار المسؤولين لا يزالون في حالة إنكار. لم يستوعب هؤلاء الرسالة التي كان من المفترض أن تثير فيهم الشعور بالمسؤولية تجاه المال العام، واستمروا في اتخاذ قرارات غير مدروسة ومكلفة، تساهم في تحميل الدولة أعباء مالية إضافية في وقت تشهد فيه البلاد تحديات اقتصادية كبيرة.
الاستمرار في هذه السياسة، التي تركز على توفير سيارات فاخرة على حساب تحسين مستوى الخدمات أو زيادة كفاءة العمل، يعتبر خطوة بعيدة عن تحقيق المصلحة العامة. إذ كان من الأجدر أن يتم توجيه هذه الموارد الضخمة إلى مجالات أكثر أهمية، كتحسين ظروف العمل، تطوير البنية التحتية، أو دعم البرامج الاجتماعية التي تساهم في تحسين حياة المواطن.