أعلنت مجموعة من التنظيمات النقابية والسياسية والحقوقية عن إطلاق “جبهة الدفاع عن ممارسة حق الإضراب”، في مواجهة مشروع القانون التنظيمي المتعلق بكيفيات ممارسة الإضراب، الذي أثار جدلاً بشأن مضامينه وتداعياته على المكتسبات الاجتماعية. وتهدف الجبهة إلى توحيد الجهود للدفاع عن هذا الحق الدستوري، مع التأكيد على ضرورة تحقيق توازن بين احترام حقوق الشغيلة ومتطلبات التنمية الشاملة.
يهدف مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 إلى تحديد الشروط والإجراءات اللازمة لتنفيذ حق الإضراب بما يتوافق مع المصلحة العامة ومتطلبات النظام الاجتماعي والاقتصادي. ومع ذلك، أثارت بعض مقتضياته انتقادات واسعة من مختلف الأطراف، التي اعتبرت أن المشروع يشكل تقييداً لهذا الحق الدستوري ويقوض مكتسبات الشغيلة، مطالبين بإدخال تعديلات تضمن حماية هذا الحق وتعزيز ضماناته.
المهدي مزواري:هذه حكومة ليبرالية تحكمها مصالح رجال الأعمال
عقب اللقاء، أشار المهدي مزواري، عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إلى المثل الفلسطيني القائل “الرسالة تُقرأ من عنوانها”، موضحًا في تصريح صحفي أن هذا المثل ينطبق تمامًا على الحكومة الحالية، بما في ذلك النخب التي تشكلها والسياسات التي تتبعها. وقال مزواري: “هذه حكومة ليبرالية تحكمها مصالح رجال الأعمال”، وهو ما تجلى، وفقا له، في موقف نقابة “الباطرونا”، أي الاتحاد العام لمقاولات المغرب، التي أبدت وحدها إشادتها بمشروع القانون المذكور.
وأوضح مزواري أن هذه المبادرة السياسية تأتي في ظل ما وصفه بـ”التغول الحكومي” الذي تشهده جميع القطاعات، وهو ما يطرح تساؤلات حول هوية الحكومة وأهدافها على المدى الطويل. وتساءل عن الأسباب التي دفعت الحكومة إلى اتخاذ هذا الموقف، رغم الانتقادات الواسعة التي لاقتها من مختلف الأطراف، مشددًا على أن هذه الحكومة “لا تنتج شيئًا” ولم تحقق أي من وعودها الانتخابية وكذلك مضامين البرنامج الحكومي.
يونس فراشين: الحق في ممارسة الإضراب قضية مجتمعية تهم جميع أطياف المجتمع المغربي
في ذات السياق، أكد يونس فراشين، عضو المكتب التنفيذي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، هذا المشروع القانوني ليس مجرد قضية تخص العمال والنقابات فحسب، بل هو قضية مجتمعية تهم جميع أطياف المجتمع المغربي، وتستدعي التعبئة الشاملة للحفاظ على هذا الحق الذي يكفله الدستور والمواثيق الدولية.
وأشار فراشين، في تصريح صحفي، إلى أن “القانون المطروح حاليًا في البرلمان، والذي يجري النقاش حوله، لم يحترم منهجية التوافق”، حيث اختارت الحكومة “التوجه مباشرة إلى النقاش التفصيلي داخل البرلمان وبرمجة التعديلات دون إشراك الأطراف المعنية”. واعتبر ذلك “خرقًا من جانب الحكومة لمنهجية الحوار والتشاور”، مؤكدًا أن “مضامين المشروع تراجعية وتشكل تهديدًا مباشرًا لحق الإضراب”.
كريم التاج:هذا المشروع لا يتماشى أبدًا مع روح الدستور
من جانبه، اعتبر كريم التاج أن هذا المشروع “لا يتماشى أبدًا مع روح الدستور الذي يسعى إلى ضمان ممارسة الحقوق والحريات”. وأكد عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، في تصريح صحفي، أن الجبهة ستتخذ “جميع المبادرات الممكنة”، بدءًا بمحاولة “إقناع الحكومة بضرورة مراجعة المقتضيات الأساسية في هذا النص”، إلى جانب “اتخاذ كافة الأشكال النضالية لضمان حق المواطنات والمواطنين في ممارسة حقهم الدستوري في الإضراب”.
في هذا الصدد يقول كريم التاج عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، إن الهدف من تأسيس الجبهة الوطنية للدفاع عن الحق في الإضراب هو تنبيه الحكومة إلى أن النص المعروض حالياً في مجلس النواب “يُمثل صيغة تراجعية تتضمن العديد من النقائص، ولا يمكن قبوله بأي حال من الأحوال، لأنه يمس بجوهر الدستور فيما يتعلق بممارسة الحقوق والحريات”.
وأشار التاج، إلى أن آخر أجل لتقديم التعديلات على المشروع هو اليوم عند الساعة الثانية عشرة زوالاً، مشيراً إلى أنه “في حال استجاب الوزير للمطالب في الاجتماع المخصص لدراسة التعديلات، وعادت الحكومة إلى جادة الصواب وأخذت بعين الاعتبار الحد الأدنى من الضمانات المطلوبة، مثل تضمين مضامين رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي أو المجلس الوطني لحقوق الإنسان، فسيكون لكل حادث حديث، وسنتفاعل بإيجابية”.
وتابع القيادي السياسي: “نحن كجبهة، وبالخصوص داخل حزب التقدم والاشتراكية، نؤكد أننا لسنا عدميين أو معارضين لتشريع نص تنظيمي متضمن في الدستور وينتظره المغرب منذ سنوات“.
محمد الزويتن:الحكومة لم تسعَ إلى تحقيق التوافق المطلوب
من جهته، أكد محمد الزويتن الأمين العام للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب الممثل داخل مجلس المستشارين في البرلمان على أن الجبهة الوطنية للدفاع عن الحق في الإضراب جاءت “نتيجة غياب التوافق حول الصيغة الحالية لمشروع القانون المعروض في البرلمان”، معتبراً أن الحكومة لم تسعَ إلى تحقيق التوافق المطلوب، كما أنها لم تفتح حواراً جاداً مع الأطراف النقابية والمدنية بناء على توصيات كل من المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والمجلس الوطني لحقوق الإنسان.
وذكر الزويتن، أن الحكومة مطالبة بعدم تقييد حقوق المواطنين مشيراً إلى أن القانون المنظم للإضراب يجب أن يشمل فئات المجتمع جميعها، وألا يقتصر فقط على الأجراء في القطاعين العام والخاص.
و أنه عندما دعت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل إلى العمل المشترك، بادر الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب إلى الاستجابة والمشاركة. وأضاف أن: “النص المطروح حالياً في مجلس النواب يفتقر إلى توافق ضروري لضمان قبوله اجتماعياً، وهو ما يُبرر توحيد الجهود بين مختلف الأطراف لمواجهة هذا المشروع بالشكل الحالي”.
وحول تشكل الجبهة، أشار الزويتن إلى أنها تمثل توافقاً إيجابياً وواسعاً، حيث تشكلت من مختلف الأطياف السياسية والحقوقية والمدنية. واعتبر أن هذه خطوة محورية يتم من خلالها التنسيق بين مختلف التنظيمات من أجل الدفاع عن المكتسبات. وقال: “هذا الحراك يُعد ظاهرة صحية تخدم مصلحة البلاد، كما أنه يعزز الحيوية السياسية والنقابية والمجتمعية”.
وشدد المسؤول النقابي على أن: “توافق هذه التنظيمات يمثل رسالة واضحة إلى الحكومة؛ مفادها رفض اعتماد الحكومة مقاربة أحادية أو متغولة في تمرير القوانين، مستندة فقط إلى أغلبيتها العددية”، لافتاً إلى أن “المطلوب هو التشاور الحقيقي والجدي مع مختلف الأطراف المعنية”.
وتشمل الجبهة مجموعة من التنظيمات النقابية والسياسية والحقوقية، مثل الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، الفيدرالية الديمقراطية للشغل، الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، والمنظمة الديمقراطية للشغل، بالإضافة إلى نقابات عدة من قطاعات متنوعة مثل التعليم العالي، الصحافة، الطب، والتجارة. كما تضم الأحزاب السياسية كحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، حزب التقدم والاشتراكية، وحزب فيدرالية اليسار الديمقراطي، إلى جانب منظمات حقوقية مثل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والهيئة المغربية لحقوق الإنسان.
ويرى المنخرطون في الجبهة أن الحق في الإضراب يشكل حجر الزاوية لبناء مجتمع ديمقراطي يسعى لتحقيق العدالة الاجتماعية. ويؤكدون على ضرورة الحفاظ على مكتسبات الشغيلة والمواطنين، في ظل ما تشهده الساحة الوطنية من احتقان اجتماعي نتيجة للسياسات العمومية الحالية.