تتجه الأنظار هذا الزوال صوب كلية العلوم بالرباط حيث تفتتح النقابة الوطنية للتعليم العالي مؤتمرها الوطني الثاني عشر تحت شعار “جميعا من أجل توحيد ودمقرطة وتجويد منظومة التعليم العالي خدمة للتنمية الشاملة لبلادنا”، لتستمر بعد ذلك أيام 18/19/20 أكتوبر 2024، ببوزنيقة.
يشهد قطاع التعليم العالي في المغرب تحولات عميقة، تتطلب وقفة تأملية وتقييمية شاملة. في هذا السياق، يعقد مؤتمر النقابة الوطنية للتعليم العالي، وهي محاولةً لتجاوز حالة الجمود التي تعاني منها الجامعة المغربية، ورسم ملامح مستقبل واعد.
لكن هذا المؤتمر يأتي في ظل تحديات كبيرة، أبرزها التجاذبات الداخلية داخل النقابة، وتأثير الأجندات السياسية على مسار الإصلاح الجامعي. فهل ينجح المؤتمر في توحيد صفوف الأساتذة الجامعيين، والضغط من أجل إصلاحات جوهرية في القطاع، أم سيعزز الانقسامات القائمة؟ وهل سيكون المؤتمر تجمعا من اجل انتخاب مكتب التقابة وهياكلها فقط ام تجمعا من اجل تقييم عميق واستراتيجي لمنظومة التعليم العالي واصلاحاته المتعثرة؟؟
وحسب مصادر تتجاذب هذا المؤتمر على الأقل أربعة تيارات ، منها ثلاثة متناقضة المرجعيات ، لكنها موحدة ضد التيار المهيمن على النقابة، وحسب معلومات خاصة ، فهناك توجه لبلقنة المؤتمر ، بهدف إقصاء تيار معروف تتهمه التيارات الأخرى بكونه رهن النقابة الوطنية للتعليم العالي للحكومة.
والخوف كل الخوف في هذا المؤتمر، ان تهيمن مقاربة الحسابات السياسوية والانتقامية الضيقة في هذا المؤتمر على حساب القضايا الجوهرية والمطالب الأساسية التي تهم الأستاذ الباحث والجامعة المغربية في مقدمتها:
-إعادة الهيبة للجامعة المغربية بكل مكوناتها
-تحسين الوضعية المادية للأستاذ الباحث ،
-إعفاء تعويضات البحث العلمي من الضريبة على الدخل،
-التعويض عن المهام والأنشطة التي يقوم بها الأساتذة الباحثون،
-طي ملف الأقدمية العامة،
-تجاوز اختلالات النظام الأساسي الحالي (الأرقام الاستدلالية، وسنوات الترقي في الدرجة والانتقال من إطار إلى آخر)
- انتخاب نقابة تعيد الاعتبار للعمل النقابي وتصون النقابة الوطنية للتعليم العالي، وتضمن تدبير ديمقراطي وشفاف للتدبير النقابي،
-طي ملف الدكتوراه الفرنسية، وانتخاب قيادة وطنية ومواطنة للنقابة .
- الانتباه الى خوصصة التعليم العالي وقتل الجامعة المغربية العمومي-
-كل اصلاح دون توفر الضمانات البشرية والمزدية واللوجستيكية مآله الفشل.
ويعتبر هذا المؤتمر محطة تنظيمية هامة للنقابة الوطنية للتعليم العالي، ولمسار إصلاح قطاع التعليم العالي الذي يمر اليوم بمرحلة ضبابية ، ينتظر منه ان يكون محطة تقييم جريء، وتمرينا ديمقراطيا تراعى في جميع مراحل تنظيمه الالتزام بمبادئ الشفافية والقيم الديمقراطية وتكافؤ الفرص، بعيدا عن أي شكل من أشكال نزعات الهيمنة، والاهداف الشخصية، أو الحسابات الحزبية الضيقة او مقاربة الإقصاءات وترضية الخواطر.
وعليه ، فتحدي المؤتمر 12 يبقي هو مدى قدرة المؤتمرين الحفاظ على النقابة الوطنية للتعليم العالي موحدة مستقلة وصوتا واحدا وموحدا لكل الأستاذات والأساتذة بصرف النظر عن انتماءاتهم وحساسياتهم الحزبية.
ونشير -هنا- ان سياق عقد المؤتمر الوطني الثاني عشر للنقابة الوطنية للتعليم العالي يتزامن مع سياق استثنائي وطني ودولي دقيق، وظروف اجتماعية واقتصادية تتسم بالصعوبة والتعقيد، وقلق عام يسود الجامعات المغربية، خاصة أزمة طلبة الطب التي ما تزال ترخي بظلالها على المشهد الجامعي الوطني.
صحيح أن الوضع العام بالكليات والجامعات المغربية مقلق – نسبيا- ويتطلب ثورة لإعادة الاعتبار للجامعة المغربية ، هذه الثورة يصعب ان تتحقق اذا لم تقم على مبادئ الاستقلالية، وقواعد الحكامة الجيدة، ومعايير الجودة والشفافية، وربط المسؤولية بالمحاسبة، والالتزام بالأسس والقيم الديمقراطية، وتعزيــز مبـادئ الاستحقاق وقيم المساواة وتكافـؤ الفـرص فـي انتخاب أعضاء المكتب الوطني للنقابة الوطنية وأجهزته، واختيار رؤساء الجامعات وعمداء الكليات على أسس الكفاءة والاستحقاق وليس التبعية والزبونية والريع السياسي .
المؤتمر 12 يجب ان يكون محطة تقييم عميق وجريء للإصلاح الجامعي ، وإقناع صناع القرار بأن تطور وقوة التعليم العالي بالمغرب يبقى رهينا بمكانة الأستاذ الباحث ووضعه الاعتباري والاجتماعي، وذلك عبر الاهتمام بالأساتذة الباحثين، والعناية بأوضاعهم المادية والمهنية. ولن يستقيم ذلك إلا بتسوية عدد من الملفات والاستجابة للمطالب العادلة والمشروعة ..
واخيرا ، نقول إنه يجب ان لا يكون هذا المؤتمر تجمعا لإعادة انتخاب هياكل النقابة فقط، بل لحظة تأمل وتقييم وتجويد للقوانين المتعلقة بالإصلاح الجامعي تحت وحدة واستقلالية النقابة الوطنية للتعليم العالي.