يستعد المغرب لاستضافة حدثين رياضيين هامين على الصعيد القاري والدولي، هما كأس أمم إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030 في ملف مشترك مع إسبانيا والبرتغال.
وتسارع الجهات الرسمية الزمن لضمان الجاهزية الكاملة للمغرب لإنجاح العرسين وفق المعايير الدولية، خصوصا بعد أن رفعت دولة قطر سقف التحدي خلال تنظيمها لدورة 2022 من حيث جودة البنية والخدمات والتطور المؤسسي.
ومن المتوقع أن تشهد دورة 2026 عرضا مميزا نظرا للتقدم والتطور الذي تمتاز به البلدان المنظمة، والمنافسة المحتملة مع أمريكا وكندا والمكسيك.
دفاتر التحملات والمعايير الدولية
تشترط المنظمات القارية والدولية على الدول المستضيفة الالتزام بمجموعة من المعايير الصارمة، حددها الاتحاد الدولي لكرة القدم في ضمانات إلزامية يجب أن تصدر عن أعلى سلطة في البلاد لتكون بمثابة التزام قانوني.
وتشمل هذه المعايير:
- بنية تحتية رياضية وملاعب مطابقة للمعايير العالمية؛
- فنادق وخدمات سياحية ذات جودة عالية؛
- بنية تحتية مطارية ولوجستية متكاملة، وشبكات نقل فعالة؛
- تسهيل دخول الزوار والفرق، وتسهيل صرف العملات الأجنبية؛
- احترام حقوق الإنسان ومكافحة التمييز على أساس الجنس؛
- منظومة حماية حقوق العمال وضمان السلامة والأمن؛
- تحسين مناخ الاستثمار والأعمال، مع تخصيص الاعتمادات المالية للجامعة الملكية لكرة القدم.
وتتطلب جاهزية الملف أيضا إصلاح الترسانة القانونية المرتبطة بهذه الضمانات من أجل مأسستها، وإصدار بيان رسمي حولها صادر عن السلطة الحكومية المكلفة بالعدل.
وهذا يعني أن المغرب أمام أوراش كبرى لإنجاح دورة 2030، بما يحافظ على تنافسيته ويكسبه الإشعاع الدولي والقاري.
دور الفاعل الترابي في تنزيل السياسات العمومية
في صلب سياسة الدولة، يوجد الجهاز الترابي المسؤول عن الإشراف على تنفيذ السياسات العامة المرتبطة بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية، وترجمة الخطط والبرامج التنموية على أرض الواقع.
ويعتمد هذا الجهاز على مبدأ تفريع الاختصاص لتخفيف العبء على الإدارة المركزية، نتيجة مسار الإصلاح الترابي بالمملكة، من خلال:
- المأسسة الدستورية للجهوية؛
- القوانين التنظيمية للجماعات الترابية؛
- ميثاق اللاتمركز الإداري.
و أيضا لتمكن الفاعل الترابي من:
- الاستقلال الإداري والمالي؛
- الموارد البشرية والأجهزة الإدارية المحلية تحت الوصاية الحكومية؛
- التنسيق بين الفاعلين الترابيين والحكومة لضمان التلقائية السياسية الوطنية والمحلية؛
- تعزيز نجاعة الأداء المبني على النتائج.
التحديات والرهانات التنموية
تعتبر السياسات العمومية التنموية تحديا مركزيا للفاعلين العموميين، إذ تقع على عاتق الفاعل الترابي مسؤولية التقاطها وإعادة صياغتها بخصوصية محلية وتنفيذها بسلاسة، مع تعبئة الموارد البشرية والمالية، ودعم الحكومة بتوفير الإمكانيات المادية والمعنوية للإدارات الجهوية والإقليمية.
فالفاعل الترابي أمام موعد تاريخي لتفعيل الإصلاحات الشاملة التي تضمنها دفاتر التحملات، بما يحقق معايير استضافة كأس العالم وكأس أمم إفريقيا، ويعزز صورة المغرب كقطب قاري وعالمي، ويساهم في التسويق السياحي والاستثماري للمملكة.
جاهزية الفاعل الترابي والمنافسة الدولية
تنظيم ملف مشترك بين عدة دول يخلق منافسة شديدة، حيث يجب على كل دولة تقديم عرض أفضل وأكثر جاذبية لاستقطاب فرص الاستثمار، وتحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي، وتوفير فرص الشغل، وإبراز المؤهلات المحلية.
مقارنة دولة بدولة قد تؤثر على سمعة الدولة الأقل بروزا، ما يتطلب جاهزية كاملة من الفاعل الترابي في برمجة المخططات التنموية وتجهيز البنية التحتية، مع ضمان التوافق مع البرامج الوطنية والقطاعية والمحلية.
الإكراهات القائمة
رغم الإصلاحات، يشهد المغرب بطءا في ورش الجهوية الموسعة والمتقدمة، مع وجود تحديات تتعلق بـ:
- استيعاب الفاعل الترابي للحكامة الجيدة والذكاء الترابي؛
- ضعف النصوص التنظيمية والتشريعية التي تحد من نطاق الاختصاصات؛
- غياب الحس القيادي لدى بعض الفاعلين؛
- إشكاليات الموارد البشرية والمالية وخصوصية الموارد المحلية؛
- ضعف التنسيق بين الفاعلين محليا وحكوميا؛
- ضعف تنزيل الديمقراطية التشاركية واعتماد الإدارة الرقمية؛
- بالإضافة إلى أعطاب التي تعيق الإدارة ومشاكل البيروقراطية.
كل هذه العوامل تحول دون تنفيذ البرامج التنموية بفعالية، مما يستدعي تعزيز نجاعة الفاعل الترابي لضمان نجاح الأوراش الكبرى.
كأس العالم 2030: فرصة للإصلاح والتنمية
احتضان المغرب لكأس العالم 2030 يتجاوز طابعه الرياضي، ليصبح مشروعا حضاريا واستراتيجيا يختبر قدرة الدولة والمجتمع على تحويل التحديات إلى فرص للتنمية المستدامة.
النجاح يقاس ليس فقط بالمدن الرياضية الحديثة، بل بمدى قدرة الدولة على وضع الإنسان المغربي في صلب المشروع، من خلال:
- إرساء ديمقراطية حقيقة، بما فيها محلية فعلية؛
- احترام حقوق الإنسان وضمان كرامة المواطن؛
- تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية؛
- محاربة الفقر والهشاشة.
الرهان الوطني والترابي
يمثل كأس العالم فرصة للمصالحة والتنمية بما في ذلك المحلية، إذ يعكس إرادة سياسية ورؤية استراتيجية يجب أن تترجم إلى سياسات عمومية مندمجة، تعيد الاعتبار للعدالة الاجتماعية والمجالية.
فضلا عن تكرس التنمية المستدامة، ووضع كرامة المواطن المغربي في صلب السياسات العمومية، بما يشمل حقوقه وفرص الشغل وقدرته على الإسهام في مستقبل بلاده.
إن العالم لن ينظر فقط إلى الملاعب والمرافق، بل إلى الإنسان المغربي في حياته اليومية؛ وعليه، فإن الرهان على كأس العالم يجب أن يكون رهانا على مغرب الكرامة والديمقراطية والتنمية الشاملة، لا مجرد مناسبة لإبراز الواجهة خارجية.
ويترتب على الفاعل الترابي مسؤولية ثقيلة في تفعيل البرامج والسياسات العمومية، وضمان جاهزية البنية التحتية، وتحقيق التنسيق المؤسسي الفعال، لضمان نجاح الحدث الدولي وإشعاع المملكة على الصعيد القاري والدولي.
فضلا عن ضمان كرامة الإنسان المغربي، ليعيش الفخر والاعتزاز بنجاح الحدث القاري وبما أنجزته بلاده من بنية تحتية؛ فحين تتعزز الكرامة يتقوى إحساس الانتماء.