يجتمع كبار الاقتصاديين في مراكش لحضور الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وسط تعرض هاتين المؤسستن الماليتين لضغوط لاعتماد إصلاحات تتيح توفير مساعدة أفضل للدول الفقيرة المثقلة بالديون، وتقليص الفجوة بينها وبين الدول الغنية في العالم.
وأجمعت العدديد من الصحف الأجنبية على أن اختيار المغرب لانعقاد هذه الاجتماعات له أهمية خاصة، نظرا للتحديات العديدة التي تواجهها إفريقيا، حيث تعاني العديد من البلدان من أزمة الديون، في حين أن عواقب تغير المناخ، ومعدل الفقر، الذي يتناقص بمعدل أبطأ، يعتبر الأعلى القارة من أي مكان آخر في العالم.
وأكد تحليل أجرته وكالة "بلومبرغ" الاقتصادية أن زعماء القارة يسعون إلى أن يكون لهم دور أكبر في التمويل العالمي باعتبارهم المضيفين للاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي لأول مرة منذ 50 سنة.
وذكرت الوكالة الأمريكية أنه عندما استضافت إفريقيا الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي آخر مرة في سنة 1973، حث رئيس البنك الدولي آنذاك روبرت ماكنمارا الدول الغنية على إظهار المزيد من الكرم تجاه الفقراء.
وأشارت الوكالة الأمريكية إلى أن الكثير منذ لقد تغير ذلك التجمع في نيروبي، لكن المنطقة ما تزال في حاجة ماسة إلى الاستثمار للتغلب على الفقر ومواجهة أزمة المناخ، حيث يؤدي تجدد التنافس بين القوى العظمى، الذي يضع الغرب بقيادة الولايات المتحدة ضد الصين وروسيا، إلى زيادة الضغط على المؤسستين اللتين تتخذان من واشنطن مقرا لهما، لبذل المزيد من الجهد في القارة.
وسجلت وكالة "بلومبرغ" أن إقراض الصين لأفريقيا زاد بمقدار خمسة أضعاف منذ سنة 2010، وفي المقابل، زاد تمويل البنك الدولي بنحو مرتين ونصف، وتواجه المنطقة الآن ضغطا متزايدا على التمويل وسط ارتفاع أسعار الفائدة وضعف العملات.
أشارت الوكالة الامريكية، حصة القارة الضئيلة من الاقتصاد العالمي لم تتزحزح إلا بالكاد منذ سنة 1973، ويشكو الزعماء الأفارقة من أنه يتم تجاهلهم. لكن لا تطلب منهم الاختيار بين الشرق أو الغرب، فهم يريدون المزيد من الاستثمار من كليهما.
إفريقيا مزدهرة
ومن أولى الإجراءات التي ستتم مناقشتها خلال هذه الاجتماعات إنشاء مقعد ثالث يمنح للدول الإفريقية في مجلسي إدارة كل من المؤسستين.
لكن بعيدا عن هذه البادرة الرمزية إلى حد كبير، فإن الأهداف الرئيسية لكلتا المؤسستين تتلخص، وفق صحيفة " أفريكا نيوز" في الحد من الفقر، ومساعدة البلدان التي تواجه صعوبات، وفي المقام الأول، تمويل المناخ، ومع ذلك، يضيف المصدر، فإن التمويل يظل يمثل مشكلة، حيث لا تؤيد الدول الرئيسية زيادة رأس المال على النحو الذي يضطرها إلى توزيع المزيد أو إضافة المزيد من النفوذ إلى البلدان الناشئة الضخمة، وفي مقدمتها الصين والهند.
من جهتها، كتبت"واشنطن بوست" (The Washington Post) مقالا تحت عنوان" صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يتعهدان بأن تركز إفريقيا في أول اجتماعاتها على القارة منذ 50 سنة"، مشيرة إلى أن أقوى صناع السياسات الاقتصادية في العالم سيركزون على أفريقيا بينما يعملون على تحقيق النمو وتحقيق الاستقرار في الاقتصاد العالمي خلال أوقات الحرب وعدم المساواة والصراعات، وتغير المناخ.
وأكدت الصحيفة الامريكية أن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يواجهان، خلال اجتماعاتهما السنوي الذي يعقد في إفريقيا للمرة الأولى منذ 50 سنة، يتعرضان مجموعة متزايدة من الانتقادات بأن الدول الفقيرة ممثلة تمثيلا ناقصا في المؤسستين، مبرزة أن كلالها أكدتا مؤخرا أنهما يخططان لمنح إفريقيا مقاعد إضافية في مجالسهما التنفيذية.
ولفتت"واشنطن بوست" إلى أن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يستخدمان، في كثير من الأحيان، الملاذ الأخير للمقرضين، ملايير الدولارات في شكل قروض ومساعدات لدعم الاقتصادات المتعثرة وتشجيع البلدان التي تعاني من العجز على تنفيذ الإصلاحات بهدف تعزيز الاستقرار والنمو.
لكن المنتقدين، بما في ذلك المسؤولون من جميع أنحاء أفريقيا، تضيف الصحيفة الأمريكية، يرون أن السياسات التي تحرم الاقتصادات من الوصول إلى الائتمان والقروض في غياب ميزانيات متوازنة غالبا ما تتطلب من الحكومات اتخاذ خيارات مستحيلة، بما في ذلك الإصلاح الضريبي أو إجراء تخفيضات على دعم الغذاء أو الطاقة.
من جانبها، قالت "فاينانشال تايمز" (Financial Times) إن "صندوق النقد الدولي يتعرض لضغوط ولكنه في مهمة"، موضحة أن ارتفاع الطلب على قروض الأزمات في ظل ارتفاع أسعار الفائدة أدى إلى وضع الصندوق في موقف صعب.
وقالت الصحيفة البريطانية إن هناك الكثير من الانتقادات الموجهة إلى صندوق الدولي، بما في ذلك نهجه في تنظيم إعادة هيكلة الديون، لكن المساهمين في الصندوق يتجهون نحو الاتفاق على تعزيز قوتهم دون خلاف طويل حول تغيير حصص التصويت لصالح دول مثل الصين.
وفي مقال آخر تحت عنوان "إن إعادة تشغيل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تختبر نفوذ الولايات المتحدة" كشفت الصحيفة البريطانية أنه خلال قمة مجموعة العشرين في نيودلهي الشهر الماضي، عقد الرئيس الامريكي جو بايدن اجتماع صغير مع عدد قليل من زعماء العالم الآخرين. وكان من بين الحضور رئيس الوزراء الهندي، ورئيس جنوب إفريقيا، ورئيس البرازيل، إلى جانب أجاي بانجا، الرئيس الجديد للبنك الدولي.
وأشارت إلى أنه هذا الحدث جاء بعد وقت قصير من تقديم بايدن لما وصفه المسؤولون الأمريكيون بدفعة جديدة كبيرة لتقديم ملايير الدولارات في هيئة تمويل إضافي للاقتصادات الناشئة والنامية، بينما غاب عن جلسة مجموعة العشرين الرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وتتضمن الخطة تعزيز القوة المالية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، المؤسستين اللتين يقع مقرهما في واشنطن، وكانتا في قلب النظام الاقتصادي الذي قادته أمريكا وحلفاؤها بعد الحرب العالمية الثانية لتعزيز التعاون الدولي وزيادة مواردهم المالية. النفوذ العالمي.
وذكرت "فاينانشال تايمز" أن بايدن - وكبار مسؤوليه بما في ذلك جانيت يلين، وزيرة الخزانة - يراهنون على أنه قادر على تنشيطهم بطريقة تعمل على توسيع العرض الاقتصادي الأمريكي للدول النامية في جميع أنحاء العالم، مع مواجهة النفوذ الدولي المتصاعد للصين.
وخلصت الصحيفة البريطانية للقول إن "الجهود الأمريكية الجديدة لضخ رؤوس أموال جديدة في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لا تتضمن دفعة لمعالجة نقص تمثيل الصين وغيرها من الاقتصادات الناشئة، وهو إغفال ملحوظ بالنظر إلى أن بكين لا تملك سوى ثالث أكبر حصة".