حكومة اخنوش أحدثت ثورة بسن قانون العقوبات البديلة..انها رحلة المغرب نحو نظام عدالة أكثر تطورًا وتأهيلاً

اتخذ المغرب خطوة جديدة في مشروع إصلاح قوانين تنفيذ العقوبات، عبر سن قانون جديد يتعلق بالعقوبات البديلة، بهدف تعزيز الدور الإصلاحي للسجون والتقليل من اكتظاظها.

وتعد العقوبات البديلة نهجًا مبتكرًا في نظام العدالة الجنائية يهدف إلى إيجاد بدائل للعقوبات التقليدية مثل السجن، وقد قادت بعض الدول الرائدة في هذا المجال واستحدثت أنظمة مبتكرة لتطبيق العقوبات البديلة، مما أفضى إلى تعزيز العدالة وتقليل معدلات إعادة الجريمة وتحقيق التأهيل وإعادة الاندماج الاجتماعي.

ورغم أن المغرب تأخر في إحداث تغييرات في المنظومة الجنائية وإلحاقه بركب العقوبات البديلة المعاصرة كسائر الدول المتقدمة مثل هولندا وكندا ونيوزيلاندا وأستراليا (..)، إلا أنه يحاول تدارك الوقت والزمن بإصدار قانون ينهي به حقبة العقاب الجزائي التقليدي والسعي خلف المشروع الجديد الذي لا طالما تريث من أجله وفضل الاعتماد على الإطار القانوني التقليدي المؤطر لمنظومته الجنائية.

والمستقرئ للسياقات الخاصة التي جعلت المغرب يتأخر في إصدار العقوبات البديلة هو أن الجيل الجديد للعقوبات في العالم يتطلب جهودًا متعددة من قبل السلطات المعنية والمؤسسات ذات الصلة، بما في ذلك التشريع والتثقيف وتعزيز التعاون بين الجهات المعنية لتجاوز التحديات وتحقيق التغيير المطلوب في النظام القضائي، ومواكبة هذه الموجة الجديدة من التشريعات التي تستلهم أسسها من منظومة حقوق الإنسان الدولية.

الصيغة الجديدة: 

بعد الجدل الذي أثارته الصيغة القديمة التي طرحها وزير العدل عبد اللطيف وهبي من مشروع قانون العقوبات البديلة قبل أن تجمده الحكومة ويعين رئيس الحكومة عزيز أخنوش، لجنة تقنية وزارية لتدقيقه، تمكنت الحكومة من المصادقة على مشروع القانون رقم 43.22 يتعلق بالعقوبات البديلة في نسخة مغايرة للأولى.

ويأتي مشروع القانون لمواكبة التطورات التي يشهدها العالم في مجال الحريات والحقوق العامة من خلال إيجاد بدائل للعقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة والحد من آثارها السلبية وفتح المجال للمستفيدين منها للتأهيل والاندماج داخل المجتمع، وذلك قصد المساهمة في الحد من مشكل الاكتظاظ داخل المؤسسات السجينة وترشيد التكاليف.

ويتضمن هذا المشروع مقتضيات موضوعية تندرج ضمن المبادئ العامة الواردة في مجموعة القانون الجنائي وأخرى شكلية تتعلق بتنفيذ العقوبات وفق قواعد المسطرة الجنائية، وذلك من خلال إقرار مجموعة من العقوبات البديلة بعد الاطلاع على العديد من التجارب المقارنة ومراعاة خصوصية المجتمع المغربي لكي تكون ناجعة وقابلة للتنفيذ تحقق الغاية المتوخاة منها؛ مع استثناء الجرائم التي لا يحكم فيها بالعقوبات البديلة نظرا لخطورتها وأخذا بعين الاعتبار حالات العود التي لا يتحقق فيها الردع المطلوب.

وميز مشروع هذا القانون بين ثلاثة أنواع من العقوبات البديلة تهم العمل لأجال المنفعة العامة؛ والمراقبة الالكترونية؛ وتقييد بعض الحقوق وفرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية.

العقوبات البدلية.. لماذ؟

في الواقع ثمة أسباب متعددة بررت بها العديد من الدول لجوءها إلى العقوبات البديلة، منها ما يرتبط بالسياق الداخلي الصرف، المرتبط بتقييم ظاهرة الجريمة، وعلاقة القانون الجنائي بها، ومدى فعاليته أو محدوديته في ردعها، وكذلك واقع المؤسسة السجنية، وما إذا كانت قادرة على استيعاب تنامي ظاهرة الجريمة، لاسيما في أوساط الأحداث. ومنها ما هو خارجي، يرتبط بالضغط الدولي، الذي يفرض على الدول العربية مواكبة تطور التشريعات القانونية الدولية، ومسايرة منظومة حقوق الإنسان.

وبالنسبة للمغرب، فتأتي فكرة العقوبات البدلية إستنادا إلى تقرير صادر عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي حذر فيه من أن "المغرب يعتبر من البلدان التي تعاني اكتظاظ السجون، ومن نتائجه التكلفة المرتفعة للاعتقال".

وعزا المصدر ذاته هذه الأزمة إلى مجموعة من الأسباب، من بينها "اللجوء المكثف للاعتقال الاحتياطي (نحو 40 بالمئة من العدد الإجمالي للسجناء)، وبطء المحاكمات، والتطبيق شبه المنعدم للمقتضيات القانونية المتعلقة بالإفراج المقيد بشروط، والإعمال المحدود لإجراءات الصلح، وعدم تطبيق التدبير المتعلق بالأشخاص المصابين بأمراض عقلية".

ومن بين توصيات المجلس "ضرورة صياغة استراتيجية شمولية ومنسجمة لإدراج العقوبات البديلة واتخاذ تدابير للسياسات العمومية، لتوسيع عرض مراكز التكفل وإعادة تأهيل المجموعات الأكثر هشاشة، التي قد تخضع للعقوبات البديلة"، كما أوصى في نفس الإطار بـ"إعداد مخطط لدعم قدرات مهنيي العدالة، في مجال تحديد العقوبات البديلة وتنفيذها".

جرائم لن تشملها

وحسب مشروع القانون الجديد الذي صادقت عليه الحكومة، فإن العقوبات البديلة لن تطبق إلا على الجنح التي لا تتجاوز عقوبتها 5 سنوات، وهو ما يعني أن القضايا المتعلقة بالإرهاب والاتجار في المخدرات والبشر والاغتصاب وأمن الدولة والاختلاس والغدر والرشوة واستغلال النفوذ وتبديد الأموال العمومية وغسيل الأموال والاستغلال الجنسي للقاصرين أو الأشخاص في وضعية إعاقة، لا يمكن أن تكون موضوع تدابير العقوبات البديلة.

كما أن المقتضيات الجديدة، تعد حسب المُلمين بالقانون، فرصة لتمكين القاضي في إطار سلطته التقديرية، من تفعيل عقوبات كالمنفعة العامة، والمراقبة الإلكترونية، وتقييد بعض الحقوق وفرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية، وهو ما سيساهم بشكل كبير في تخفيف الضغط على المؤسسات العقابية.

وبسن قانون العقوبات البديلة تكون حكومة اخنوش قد احدث ثورة في مجال العقوبات ، وتوفقت باخراج هذه القانون بعد عجز باقي الحكومات في اخراجه ، وهو ما شانه دفع العدالة المغربية نحو مزيد من التطور والتحدث في عالم يعرف ثورات في منظومة القضاء والعقوبات والعدالة.