عادات وتقاليد المغاربة في رمضان..رسخها الأجداد وحافظ عليها الأحفاد(وجدة)

لشهر رمضان الكريم في المغرب خصوصية متميزة عن باقي الدول الأخرى، إذ تتسم لياليه بأجواء مليئة بالإيمان والرحمة، وهذا ما يتجلى بشكل واضح في اكتضاض المساجد بالمتعبدين كباراً وصغاراً سواء كانوا رجالاً أم نساءً، غير أن العادات الرمضانية المغربية لا تنحصر في  المساجد فقط، بل تمتد  لما يجري من أحداث و فعاليات في الشوارع  والدروب المغربية.

في هذا الشهر الكريم، تتجدد الكثير من الطقوس المؤثرة التي تستمد قوتها من التراث الشعبي المحلي، طقوس تختلف من مدينة لأخرى وقد ارتأينا أن ننهل منها للقارئ على شكل حلقات، وأن نخوض في دروب مدننا العريقة ونستمد منها ثقافتها الشعبية الاصيلة.

 

عادات وطقوس شهر رمضان بمدينة وجدة... أجواء رمضانية بلمسة شرقية

تحيي ساكنة مدينة وجدة، وعلى غرار مناطق أخرى من المغرب، شهر رمضان هذه السنة، في ظل أجواء “عادية” يعمها الارتياح والبهجة، بعد سنتين من القيود جراء أزمة وباء كوفيد- 19 والتي حالت دون ممارسة بعض التقاليد والطقوس المعتادة في هذا الشهر الفضيل.

وبالرغم من أن الوباء لم ينته بعد، واستمرار اتباع السلوكات والممارسات الاحترازية الجيدة لمكافحة الفيروس، إلا أن شهر رمضان هذه السنة يتميز بعودة الأجواء التي تسم الشهر الفضيل إلى طبيعتها، سواء تعلق الأمر بالشعائر الدينية كأداء صلاة التراويح في المساجد، أو الذهاب إلى الأسواق لاقتناء ما تحتاجه الأسر لإعداد الأطباق الخاصة بهذا الشهر، وكذا شراء الملابس التقليدية، أو التنزه بعد تناول وجبة الإفطار.

ارتياح كبير عم ساكنة المدينة التي تسود بها أجواء التقوى ومظاهر التشبث بالتقاليد العريقة المواكبة للاحتفال بشهر الصيام، والتي تشكل جزء من التراث الثقافي والحضاري لمدينة الألفية.

ويكفي القيام بجولة في أسواق مدينة وجدة، خاصة أسواق المدينة القديمة، لمعاينة الإقبال الكبير للمواطنين عليها لاقتناء متطلبات رمضان خاصة المتعلقة بإعداد الوجبات الأساسية التي يتم تقديمها خلال وجبة الإفطار، بدءا من الحريرة التي لا تغيب عن مائدة الإفطار الرمضانية.

ويشكل رمضان بالنسبة للمتاجر والتجار المتخصصين في إعداد وبيع الحلويات التقليدية مناسبة للرفع من حجم مبيعاتهم، بالنظر إلى الإقبال اللافت على الحلويات الشعبية خلال هذه الفترة؛ مثل الشباكية، والمقروط، والزلابية، والكعك، والبريوات، والشامية.

كما يكثر الطلب على منتجات أخرى أساسية في رمضان، مثل التمور، وفق ما أكده أحد التجار، مبديا ارتياحه لاستئناف النشاط التجاري الرمضاني مقارنة بالمستوى المسجل خلال السنتين الماضيتين.

وتكتسي  عاصمة الشرق، مدينة وجدة،  حلة جديدة مع حلول شهر الصيام. فبحكم القرب من الجارة الجزائر فقد اخترقت بعض العادات والتقاليد من البلد الجار المدينة الحدودية، وتفاعلت منذ القدم مع العادات المحلية، لتعطي طابعا خاصا ومميزا للمدينة وحتى المدن المجاورة على غرار بركان وأحفير، وفكيك.
وهكذا ، فكل زائر للمدينة في شهر رمضان، يلاحظ أن فترة الصباح (مابين الفجر والظهر) يكسوها فتور كبير، حيث تخلو الشوارع من المارة والباعة على السواء، لكن تجد عمال النظافة والتلاميذ والطلبة الذين يقصدون أقسام الدراسة ، إضافة إلى باقي «الوجديين» الملتحقين بمقرات عملهم.

لكن سرعان ما تدب الحياة وينشط الناس بعد دخول وقت العصر، خصوصا الأسواق التي تعرض كل ما يلزم من السلع والمواد الضرورية، التي يقبل عليها المواطنون في الشهر المبارك.

أما داخل البيوت، فتعمل الأمهات الوجديات على تحضير ما لذ وطاب من الشهيوات التي تشتهيها نفوس أفراد العائلة، كل حسب ذوقه، وهكذا تتفنن ربات البيوت في صنع مختلف أنواع وأشكال الحلويات كالمقروط والعكعك والكريوش والخبز البلدي، والبغرير المعروف في المنطقة ب «خرينكو» والزلابية، بالإضافة إلى «سلو» وتاقنتة والزميتة.

أما الحريرة فتأتي في المقدمة، بل تعد من علامات رمضان، فهي الأكلة الرئيسية على مائدة الإفطار. وهي عبارة عن مزيج من القطاني، والتوابل على رأسها الكروية والكبابة، وقطع اللحم وبعض الخضر المطحونة. ورغم هذه الثوابت فالحريرة تختلف من منطقة إلى أخرى، لذلك فهذا الطبق يتميز في مدينة وجدة بإضافة «الكليلة» وهي عبارة عن مربعات صغيرة من الجبن اليابس، تعطي نكهة خاصة ومذاقا مميزا للحريرة.

يفطر الوجديون في رمضان قبل موعد إفطار المغاربة في مناطق الغرب (نظرا للموقع الجغرافي للمدينة الحدودية)، فيتحلق أفراد العائلة حول مائدة الافطار في أجواء عائلية، يميزها تواجد الجدة والأعمام خاصة ضمن العائلات المتعددة الأفراد.

بعد الإفطار يقصد الآباء المساجد لأداء صلاة العشاء ومن تم التراويح، بالموازاة مع ذلك تحضر الأمهات وجبة العشاء المكونة من «السفة» التي تتخذ من الطبق شكلا مخروطا، تزين بالقرفة والسكر واللوز المسلوق ويتناوله بالمعالق مع الشاي . بعدها يتم تحضير وجبة السحور ، التي تكون عبارة عن طبق من اللحم والخضار والبرقوق، أو الدجاج مع الزيتون، مرفوقا بسلاطة بالخس والطماطم.
بعد الانتهاء....يسارع الناس الى الالتقاء وتبادل أطراف الحديث، وهنا يبرز الشاي المغربي المحضر على الطريقة الوجدية كعنصر من العناصر التقليدية المتوارثة التي تجمع العائلة.
في حين تفضل فئة أخرى من سكان المدينة الخروج الى الساحات العمومية والمنتزهات القريبة، حيث الليالي تتحول إلى نهار في أجواء لا تجدها إلا في الشهر الفضيل، وتعد ساحة 6 يوليوز بشارع محمد الخامس أهم الساحات التي تمتلئ عن آخرها بالوجديين الذين يرتادونها، خصوصا عندما يصطحبون أطفالهم الصغار الذين يصومون اليوم كله. فبالنسبة للفتيات يلبسن التكشيطة، أو البلوزة ويحتفل بهن من أجل تشجيعهن على الصيام.
ونفس الشيء بالنسبة للذكور، إذ يلبسون الجلباب والطربوش الذي يعرف بالشاشية في المنطقة، من أجل أخد صور تذكارية تؤرخ لأيام صيامهم الأولى.
أما ليلة القدر المباركة، فهي الأخرى لها ميزاتها الخاصة في المنطقة الشرقية ومدينة وجدة بالخصوص، حيث تحضر في المنازل أطباق عديدة من الكسكس، ترسل إلى مسجد الحي يتناولها المصلون بعد الانتهاء من قيام ليلة القدر.
أما الأيام التي تلي ليلة القدر فتخصص لتحضير الحلوى المخصصة لعيد الفطر، فتجتمع الجارات والقريبات ويتفنن في صنع مختلف أنواع «الكاطو» المغربي والمحلي. هكذا يمضي الوجديون أيام الشهر الفضيل، في انتظار شهر رمضان من السنة المقبلة.