حكاية جريمة
أدت السمعة التي أصبحت تتمتع بها تجارة الحشيش بمنطقة عكراش إلى شح وكساد في حركة البيع لدى معظم صغار «البزناسة» بمدن الرباط وسلا وتمارة، ما جعل الشبكة تحقق عائدات مالية ضخمة من وراء بيع كميات كبيرة بشكل يومي، قبل أن تقرر ضم هؤلاء إلى فلكها.
وبدا لافتا أن شبكة عكراش لم تكن تعاني إطلاقا من خصاص في التموين، بل كانت البضاعة تصلها بانتظام، وبكميات وافرة، وبواسطة سيارات مخصصة لنقل السلع تنطلق من قرى ومداشر بالشمال، لتمر عبر الطريق الوطنية مجتازة جميع الحواجز، قبل أن تسلك طريقا غير معبد، وتعود من جديد إلى الطريق لتسلم الشحنة، وترجع أدراجها ضمن مسالك أصبحت حديث عدد من سكان المنطقة، وهو ما جعل اللغط والهمس يكثر حول ما يجري بالمكان.
معظم من كانوا يعملون في عكراش كانوا يعلمون جيدا أنهم بعيدون عن أصفاد الأمن والدرك، لكن هذا المعطى تغير بعد أن تم اعتقال أحد الإخوة المشرفين على شبكة عكراش، ليتوقف البيع، لكن هذه الخطوة اتضح أنها كانت مجرد استعراض من أجل إبراء الذمة في حال وقوع المحظور، وانكشاف أمر ما يحدث، حيث عادت نقطة البيع بعدها أقوى مما سبق، وزادت من حجم احتكارها للحشيش بالعاصمة والمدن المجاورة لها.
فاعتقال أحد الإخوة لم يمنع من استمرار إدارة المكان من وراء قضبان السجن من خلال تنسيق عمليات التسليم والتسلم، وتوزيع عمليات البيع التي لم تعد تقتصر على المدمنين فقط، بل تجاوزتهم لتأسيس فروع للشبكة من خلال إمداد صغار الباعة بكميات من صفائح الشيرا للمغامرة بإعادة بيعها في المدن.
ورغم اعتقال عدد من هؤلاء وإقرارهم بأن المزودين الكبار يتحصنون بعكراش فإن يد مصالح الأمن والدرك، لم تتمكن من العودة لاعتقال من هناك، وتم الاكتفاء بتحرير مذكرات بحث في حق «مزيوقات» في إجراء روتيني ليبلغ عدد مذكرات البحث التي صدرت في حقه 90 مذكرة.
أحد المسؤولين الأمنيين الكبار كشف لاحقا أن الشبكة لم تكن تستعين فقط بخدمات العيون الموزعة على التلال الموجودة بعكراش شرق الرباط، والمزودة بهواتف نقالة، بل كان هناك أيضا من يشعرهم بأي تحرك مسبق استعدادا لمداهمة المكان، بحكم أن أي تحرك يستلزم اجتماعا لوضع خطة وتجنيد أعداد كبيرة لاحتواء أي مفاجأة قد تقع في مكان معزول في ظل الحديث عن وجود سلاح ناري.
وأشار المسؤول ذاته إلى أن بعض العناصر الأمنية تنكرت لدخول المكان، واقتربت بالفعل من الجبل قبل أن يختفي الجميع مثل الأشباح مباشرة بعد إشعارهم هاتفيا، ما يؤكد أن بعض المعلومات كانت تسرب لهم.
وقال المسؤول ذاته إن اختيار المكان، ساهم بدوره في إحداث ثغرة، بحكم تواجده في نقطة تماس بين حدود الأمن الوطني والدرك الملكي، وهي ثغرة يعمل عادة كبار تجار المخدرات على استغلالها من أجل بعثرة أوراق الأجهزة في ظل ضعف التنسيق بينها، مع استقطاب بعض العناصر وإغرائها بالمال، للبقاء بعيدا عن الاعتقال، والعمل بكل حرية في ظل حصانة تكلفها الإتاوات التي يتم دفعها، ما يفسر استمرار الشبكة في العمل لسنوات طويلة.
الشبكة استغلت أيضا تقاذف المسؤوليات بين الدرك والأمن لتوسع نطاق عملها، مستفيدة من تعاطف عدد من سكان المنطقة الذين كانوا عبارة عن تجمع صفيحي يختبئ بداخله العشرات من المسحوقين ممن لفظتهم العاصمة، ليعيشوا بمكان معزول بالقرب من مطرح القمامة قبل أن تشملهم الشبكة برعايتها بتوزيع المساعدات عليهم لتنجح في كسبهم لصفها.