محمد بوزفور يكتب : الخارجية الامريكية وتغييب حقوق الضحية !

ليس غريبا ان تثير التصريحات التي أدلى بها يوم الاثنين 12 يوليوز 2021 الناطق الرسمي باسم الخارجية الامريكية نيد برايس المتعلقة على وجه الخصوص بأحكام السجن لمدة خمس سنوات الصادرة في حق المسمى سليمان الريسوني بتهمة هتك عرض بالعنف والاحتجاز ، مجموعة من ردود الفعل المتباينة لدى المكونات المختلفة للراي العام المغربي ، والتي تراوحت بين القلق و الاستغراب والشجب من طرف السواد الأعظم من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي من جهة ، و توظيف سياسوي وتحامل على الدولة المغربية من أطراف تشكل أقلية ، ترتدي على ما يبدو الوانا يسارية وأخرى ذات نزوعات دينية متطرفة ، من جهة ثانية !!.

الواقع ان استفهامات كثيرة تحوم في هذا الوقت بالذات المتزامن مع الخروج الاعلامي للسيد نيد برايس ، الذي بدا وكأنه منقطع عن الحقائق ذات العلاقة بحرية التعبير والصحافة بالمغرب و عن الحيثيات القانونية التي جاءت في ركاب العقوبات التي اصدرها القضاء المغربي في حق المسمىً سليمان الريسوني ، وكأن السيد برايس قد اكتفى بالتقارير التي قدمت اليه ولم يتجاوز استعراض أبرز العناوين وأهمل التفاصيل ، لدرجة انه لم يعرف كيف يتهجى إسم سليمان الريسوني !!
ما السر اذن في إقدام السيد نيد برايس على إفراد اهمية خاصة للدفاع عن سليمان الريسوني ( البالغ من العمر 49 سنة / رئيس تحرير جريدة أخبار البوم / عضو بالجمعية المغربية لحقوق الانسان ) والذي قام بهتك عرض أحد المواطنين اسمه ( آدم ) تحت طائلة العنف والاحتجاز بمنزله ، حيث تمت محاكمته بمقتضى القانون داخل بلد له سيادته ومؤسساته القضائية المحترمة المنضبطة لاحكام الدستور ومساطر المحاكمة العادلة ؟؟
لماذا لم يستحضر الدبلوماسي الامريكي في ندواته الصحفية الاسبوعية - على سبيل المثال- حجم وعدد التجاوزات لحقوق الانسان والانتهاكات الصارخة للحق في الحياة للضحايا المدنيين من الفلسطنيين، اطفالا ونساء وشيوخا الذين سقطوا جراء الغارات الاسرائلية الاخيرة على غزة !!
هل تناسى السيد برايس ان عددا كبيرا من النشطاء الشباب الجزائريين قد زج بهم في أتون السجون من طرف الجنرالات القابضين على أنفاس شعب بكامله ، فقط لأنهم صدحوا داخل الحراك الشعبي بالشارع العم بكلمة "حرية " و طالبوا برحيل العسكر والحزب الوحيد ، بل التمسوا و بكل بساطة استنشاق ولو هبة " عابرة " من عطر الديمقراطية التي يسمعون بها منذ أجيال ولا يرون منها الا السراب ؟؟
ألم يكن جديرا بالسيد برايس ان يقوم بتحيين أجندته لحظة الندوة الصحفية الاسبوعية ، حيث بدا أنه لم يكلف نفسه النظر الى الصور البشعة التي تتناقلتها وسائل الاعلام عبر العالم حول اعمال التخريب والسلب والنهب وكافة الخروقات التي تزعزع حاليا الامن و تعصف بالحقوق والحريات بدولة جنوب افريقيا ، والتي نجم عنها لحد الساعة سقوط العشرات من القتلى والضحايا ؟؟
الاكيد ان حالةً الريسوني المحكوم عليه من طرف مؤسسة القضاء المغربي بعقوبة تضبطها مدونة القانون الجنائي، قد خضعت لكافة الشروط القانونية والحقوقية التي يفرضها الدستور المغربي .
الا انه من المتوقع ان تكون التقارير المغلوطة التي تم رفعها الى الخارجية الامريكية من بعض الجهات القاطنة بين ظهرانينا والتي تحاول ضرب البلد من الخلف وخلق الالتباسات والغموض ، قد تعمد
اصحابها عن سبق اصرار وترصد اختزال النازلة القضائية في شخص الفاعل وليس المفعول به… وهو منتهى التبخيس للحقيقة وللديمقراطية و للتقدير المنصف للامور ..!
هل كلفت الخارجية الامريكية نفسها أو جهات حقوقية تمثلها ، عناء تقصي الحقيقة في مضامين تلك الروايات التدليسية قبل أن تتبني اي خطاب متسرع اتجاه المملكة ؟؟
وقد كان بالامكان والحالة هاته ، تقديم طلب الى السلطات المغربية المختصة من أجل الاستماع الى الشاب اليافع ( آدم ) ضحية هتك العرض بالعنف والتوقف عند وضعيته الهشة و نفسيته المأزومة !!
أليس من النزاهة القانونية والفكرية ان يحكم الامريكان على الامور عبر تلقي اقوال طرفي القضية معا ، وليس من خلال الانصات فقط لرواية واحدة عرجاء يتظاهر أصحابها بالدفاع عن الريسوني ، بينما هم يشتغلون لفائدة حسابات و أجندات لا تخدم إلا اهدافهم الشخصية ؟
حقا اننا نعيش مفارقة من نوع ناذر جدا ، فالذين يعيشون بيننا ويرغبون بإصرار غريب الاساءة الى صورة المغرب الحديث في المحافل الدولية ، لا يترددون في تشويه الحقائق ، وذلك بتحويل الجاني الريسوني الى بطل وملاك .. !! أليس المتهم الذي تم تحريضه من جهات مدسوسة على التهديد بالانتحار داخل المؤسسة السجنية ، هو الذي أدانه القضاء المغربي بتهمة هتك عرض بالعنف والاحتجاز ، بينما الضحية الذي تجرع سم " الاغتصاب " قهرا ( بالمعنى الادبي) هو الذي يعاني المرارة منعزلا في سجنه الداخلي وصمت العار ؟؟
الواضح ان الضحية الذي وقع عليه فعل الاعتداء الجنسي العنيف قد تم تغييبه من التصريح الذي جاء على لسان الناطق الرسمي باسم الخارجية الامريكية . فهل لهذا التوجه المتغاضي جدا الذي عبر عنه السيد نيد برايس اتجاه حقوق الاشخاص المنتهكة أعراضهم ، علاقة باختيارات الجناح اليساري للحزب الديمقراطي المستأنس بالتسامح مع بعص الافعال الجنسية العنيفة من قبيل الاغتصاب وهتك العرض و كذا سلوكات اللواط والسحاق وغيرها ؟؟
◦ يبدو أن تغييب الضحية في حديث السيد برايس والذي تخول له كل قوانين العالم المتحضر ضمانات وحقوقا واسعة ، هو أشبه ما يكون بخروج عن روح الديمقراطية ومبادئ الحق والعدالة التي تنتصر عادة للضحايا والتي تأسست عليها دولة عظمى اسمها الولايات المتحدة الامريكية !!
◦ ثم انه من الضروري ان تعلم تلك الجهات التي ترصد مسارات حقوق الانسان بالمملكة المغربية و من ضمنها " مراسلون بلا حدود " ، أن التجربة على مستوى الضابطة القضائية ابانت في مرات عديدة ، ان اطيافا مختلفة داخل المجتمع المغربي يمكنها ان تخطيء وتخترق القانون وتخضع لعقوبات سالبة للحرية ، من ضمنها الشرطي والجندي والمحامي والسياسي والطبيب والفلاح والصانع والمهندس وغيرهم ، فلماذا هذا الضجيج الان حول المسمى الريسوني ؟؟ هل يعتبر الصحفي منزها عن السقوط في الاخطاء الجنائية ؟ وهل تمنح صفة الصحفي لصاحبها الحصانة من المساءلة القضائية وتبيح له هتك عرض الناس تحت الاكراه والعنف في المكان الذي يريد وفي الوقت الذي يشاء !!
واذا كان كثير من اللغط قد اثير ايضا حول حرية التعبير والصحافة، فان المملكة قد سجلت منذ اعتلاء جلالة الملك محمد السادس نصره الله عرش اسلافه الميامين تقدما كبيرا قي مجال الحريات العامة وتصاعدا في ثقافة الاحتجاج بالشارع العام عبر كافة المدن المغربية وصل الى معدلات غير مسبوقة قاريا وعربيا . كما ان الصحف المغربية المستقلة اضحت تفرد دون قيود مساحات تكاد تكون يومية لتوجية النقد اللاذع للاداء الحكومي والوزراء والأمناء العامون للاحزاب والبرلمانيون ولتقييم السياسات العامة بكل شفافية ، بل وتقول في هؤلاء أحيانا متفرقين أو مجتمعين ما لم يقله مالك في الخمر ، وهو المعطى الذي لا يمكن تلمسه باي شكل من الاشكال في الحياة العامة للجارة الشرقية او ما شابهها من الدول التي تقودها أنظمة العسكر .
اذن فالنزاهة السياسية تقتضي من شركاء المغرب —-كالولايات المتحدة الأمريكية — ان يأخذوا المسافة الضرورية من الروايات المسيسة التي تقدم على أساس انها الحقيقة وكل الحقيقة ، وان يعملوا كثيرا من ادوات الغربلة والحذر اتجاه التوظيفات والاستغلالات المغرضة لبعض النوازل الجنائية التي لا تعدو ان تكون مجرد نتاج لسلوكات شخصية يقترفها بعض الذين يعتقدون -عن وهم- أنهم ومن يدور في فلكهم ، فوق القانون !!

ان جلد هذا البلد العريق قد تعرض ما مرة للطعنات وهو صامد عبر أروقة التاريخ لايسقط أمام اي اختراق ، شامخ أبدا في محفل الأمم والشعوب ، باعتبار ان المغاربة الأقحاح لا ينصرفون عن عشق الوطن تحت اية ذريعة كانت ، خلافا لما يفعله زمرة من المهرولين في كل اتجاه خدمة لانانياتهم الصغيرة وحساباتهم الضيقة ، بل ان المواطنين الشرفاء يعضون بالنواجذ على ثوابت الأمة و يتشبثون بوحدتها الترابية وبتاريخها المجيد و حاضرها المضيء ومستقبلها الموعود … فالمغرب يبقى حصنا متماسك الاركان باطيافه المختلفة وبشبابه المجتهد والمثابر كل يوم في طريق التطور و بتاء المستقبل ، تحت القيادة المتبصرة والحكيمة والبعيدة النظر لجلالة الملك محمد السادس حفظه الله الذي يمضي بالمملكة المغربية نحو التقدم والحداثة وترسيخ الأسس الديمقراطية كخيار استراتيجي يروم الحفاظ على دينامية وقوة المجتمع المغربي !!