يحاول الدكتور محمد حركات الذي يعد من خيرة الباحثين المغاربة في مجالات الحكامة والاقتصاد ولمالية في هذا المقال تقديم مقاربة ذكية لتقرير النموذج التنموي الجديد من زاوية متميزة، اعتمد فيها الدكتور حركات الحس النقدي الرهيف والعين العلمية الثاقبة والروح العلمية الاستشرافية لتقرير استراتيجي لا بد ان يخضع للتقييم العلمي الرصين بهدف وضعه على اسس صلبة بنخب مؤهلة تتوفر على الارادة السياسية للاصلاح الاستراتيجي في ظل شروط سليمة ليشكل النموذج التنموي الجديد خارطة طريق لبناء مغرب ما بعد كورونا وتنزيل الجهوية المتقدمة.
وهذا نص المقال.
10 ملاحظات اولية حول المسكوت عنه في تقرير نموذج التنموي الجديد
لا احد يماري اليوم العلامات المضيئة والأفكار الثمينة التي تضمنها التقرير العام لنموذج التنمية الجديد غير انه اعتبارا انه يعد بناء يتوخى منه طرح الاسئلة الكبرى في التعبير عن رؤية استراتيجية في البلاد فلابد ان نبدي ببعض الملاحظات الاولية حول المسكوت عنه في التقرير كما يلي :
1. عدم الاستجابة بما فيه الكفاية لمختلف مضامين ومتطلبات "كناش التحملات" العبارة الشائعة في لغة الخبراء ، كما سطرها الخطاب الملكي بكل حذافيرها (التحملات) والقاضية بطلب اللجنة بالتحلي " بكل تجرد وموضوعية، وأن ترفع للملك الحقيقة، ولو كانت قاسية أو مؤلمة، وأن تتحلى بالشجاعة والابتكار في اقتراح الحلول".
2. غياب الاستناد الى التجارب الدولية المقارنة الناجحة والفضلى في تحقيق التنمية الانسانية الشاملة مثل تجربة سانغفورة وكوريا الجنوبية و التايوان وأسباب نجاحها وتألقها عالميا والدروس المستنتجة من ذلك في بناء نموذج مثالي وعملي . ابن خلدون يقول" بأضدادها تعرف الأشياء ".
3. غياب المرجعية النظرية والجيواستراتيجية والاقتصادية في طرح الاسئلة الكبرى والمخاطرالمحدقة بالبلاد في بناء براديغمات النموذج التنموي المثالي وبناء عقيدة تنموية قوية تستند الى المعرفة العلمية العميقة في بلورة المشروع المجتمعي ، فكرا وممارسة (بزوغ ملامح اقتصاد الصالح العام والحياة).
4. عدم استثمار مفهوم الحلم المغربي لتعبئة المجتمع في تحقيق هذا الحلم في عمقه الاستراتيجي والإنساني والحضاري الدولي والافريقيى والمغاربي والعربي عبر تمجيد قيم العمل والإنتاج والاستحقاق والكفاءة على حساب سلوكيات وعقليات الريع ومنظومة التفاهة .
5. المعيقات المنهجية المتمثلة في تشتت الافكار وعدم الربط الجدلي بين المكونات وغياب التركيب ... مما جعل التقرير ركيكا وغير محفز على القراءة وغير قادر على اعطاء خريطة طريق واضحة المعالم. بحيث ان المعدن البارد للخطاب لم ينغمر بعبارات ساخنة قد تغلي بحيث تكتسب درجة حرارة في مستوى تطلعات وسقف الانتظارات العالية للأمة .
6. عدم استثمار التقرير للدائرة الفاضلة لربط المسؤولية بالمساءلة ولمعيقات هيئات الحكامة وتعددها وكلفة اشتغالها الباهضة على مالية الدولة في غياب نجاعة الاداء او ومردودية تذكر في مواجهة تنامي الفساد والزبونية في التوظيف وتهريب الاموال وتضارب المصالح وعيوب السوق والاحتكار.
7. طرح الاستدانة (المديونية الخارجية ) في تمويل التنمية كجزء من الحل بدل كونها جزء من المشكلة اعتبارا لحمولتها الثقيلة على الاجيال المقبلة بدل التركيز على تضريب التصاعدي للفلاحة و الثروة من خلال تبني اصلاح جبائي وتعبئة الموارد الداخلية وترشيد النفقات وتقوية المراقبة الداخلية على المال العام .
8. عدم استثمار مفهوم السعادة الاجمالية الداخلية (BIB) عند المغاربة المتدنية دوليا و اعتماد تحليل كمي (PIB) في تضاعف الدخل الفردي في 16000 دولار في افق 2035 في غياب مقاربة نوعية ، تحليل لم يأخذ بدوره بعين الاعتبار اثار التضخم المالي والآفات والأزمات وكلفة صدمة كوفيد المهولة على الاقتصاد والمجتمع والشباب والطبقة الهشة اجمالا والتي قد تدوم تداعياتها عدة سنوات . كان بالأحرى اعتماد تحسين ترتيب المغرب المتدني في سلم التنمية الانسانية .
9. غياب التطرق للتجارب والممارسات الدبلوماسية الاقتصادية والعلمية والثقافية والفنية والأدبية و ضعف التموقع المغربي في المنظمات الدولية والإقليمية ودورها البارز في ترسيخ نموذج تنموي جديد والترافع حوله ،استنادا الى اجندة الامم المتحدة 2030 وأجندة الاتحاد الافريقي 2063.
10. عدم تحديد السيناريوهات المحتملة في ادارة المخاطر في غياب اجندة خاصة حول القضاء النهائي على الامية وتغيير العقليات وبناء الصلابة والصمود في المجتمع لراب التصدعات العميقة التي اصابت الاقتصاد بفعل جائحة كوفيد-19 وما نتج عنها من تفاوت فادح بين الفقر المدقع والثراء الفاحش عبر ترسيخ قيم التضامن الحقيقي و دعم الوساطة والقضاء على النزاعات داخل الادارة والمجتمع المغربي لكي لا تفشل البلاد ويذهب ريحها.
د. محمد حركات ، الرباط في 31 مايو 2021