حقق حزب "فوكس" - يمين متطرف - اختراقا مهما على الساحة السياسية الإسبانية الاثنين بعد حصوله على 24 مقعدا في البرلمان المكون من 350 نائبا، وذلك في الانتخابات التشريعية التي جرت الأحد، وشهدت إقبالا كثيفا من الناخبين الإسبان.
وأظهرت النتائج الأولية غير الرسمية، بعد فرز 99 بالمئة من الأصوات، فوز حزب رئيس الوزراء الاشتراكي الإسباني بيدرو سانشيز بنجو 29 بالمئة من أصوات الناخبين و123 مقعدا في البرلمان لكنه يظل بعيدا عن الأغلبية المطلقة (176 مقعدا) وهو ما سيجبره على بناء تحالفات مع الأحزاب الأخرى لتشكيل حكومة خاصة اليسار الراديكالي في حزب "بوديموس" (نستطيع) الذي يواجه صعوبات، وأحزاب المناطق، أي من حيث المبدأ الانفصاليين الكاتالونيين. لكن سانشيز يفضل تجنب الحاجة إليهم من جديد بعدما اضطروه للدعوة إلى انتخابات مبكرة بسبب رفضهم التصويت على ميزانيته.
ويعتبر حزب "فوكس" (الصوت) القومي المتشدد المفاجأة المعلنة لهذه الانتخابات التشريعية الثالثة خلال ثلاث سنوات ونصف سنة. وكان هذا الحزب هامشيا حتى قبل ستة أشهر فقط، لكنه أحدث زلزالا سياسيا بحصوله على نحو 11 بالمئة من الأصوات في الانتخابات البلدية في منطقة الأندلس.
وكانت استطلاعات الرأي قد أشارت إلى أن هذا الحزب يمكن أن يحصل على أكثر من عشرة بالمئة من الأصوات ليشغل بذلك نحو ثلاثين مقعدا في مجلس النواب (350 مقعدا) في بلد غاب عنه اليمين المتطرف منذ وفاة الجنرال فرانسيسكو فرانكو في 1975. وهي نتيجة لا تتوافق مع النتائج المعلنة حتى الآن والتي قد تمثل خيبة أمل كبيرة لأنصار "فوكس".
وحذر سانشيز، الذي تولى رئاسة الحكومة في يونيو على أثر مذكرة بحجب الثقة عن المحافظ ماريانو راخوي (الحزب الشعبي)، من موجة لليمين القومي قائلا إن "هناك احتمالا واقعيا ومؤكدا" أن يكون أداء حزب "فوكس"، المدعوم خصوصا من الجبهة الوطنيّة في فرنسا وحزب الرّابطة في إيطاليا، أفضل مما تتوقعه استطلاعات الرأي.
وتنامى حضور فوكس ذي الخطاب المتشدد المناهض لحقوق المرأة والمهاجرين، خصوصا عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بتبنيه موقفا متشددا من دعاة الاستقلال في كاتالونيا.
وبعدما كانت كاتالونيا مسرحا لأسوأ أزمة سياسية تشهدها إسبانيا في غضون أكثر من أربعين عاما، يبقى الإقليم مركز اللعبة السياسية. وقام اليمين واليمين المتشدد بحملة شرسة ضد سانشيز الذي وصف بأنه "خائن" لوصوله إلى السلطة بفضل أصوات الانفصاليين الكاتالونيين بالأخص.
من جانبه أشار زعيم "الحزب الشعبي" بابلو كاسادو إلى أنه جاهز لتشكيل حكومة مع حزب "المواطنة" و"فوكس" في حال نجحوا في الحصول على الأغلبية.
ووسط تصفيق حاد، صرح سانتياغو أباسكال زعيم الحزب الذي أصبح خامس قوة سياسية في البلاد على أثر هذه الانتخابات "أهلا بالمقاومة! نواصل طريقنا بلا خوف من أي شيء أو أي شخص، نواصل طريقنا من أجل إسبانيا".
وكان الناشطون يهتفون "إسبانيا الموحدة لن تهزم أبدا" و"إسبانيا مسيحية ولن تكون مسلمة" و"بوتشيمون في السجن"، في إشارة الى الرئيس السابق لمنطقة كاتالونيا الملاحق بتهمة محاولة الانفصال في 2017.
ونجح أباسكال الذي يدين "خونة إسبانيا" و"اليمين الجبان" في إنعاش هذا الحزب الذي أسسه قبل خمس سنوات مع عدد من الذين خاب أملهم في الحزب الشعبي اليميني المتهم "بخيانة قيمهم وأفكارهم". وقال في كلمته إن "24 نائبا في البرلمان سيمثلون الفخر بأن تكون إسبانيا".
ويدعو أباسكال إلى حظر الأحزاب الانفصالية وإلغاء القوانين التي تعاقب على العنف المرتبط بالتمييز حيال المرأة، ويدافع عن العائلة التقليدية مع أن أبناءه الأربعة ولدوا من زواجين مختلفين.
وأباسكال (43 عاما) الذي ترعرع في أموريو وهي قرية في منطقة الباسك كان جده رئيس بلديتها خلال حكم فرانكو، يروي أن والده الذي كان عضوا في المجلس البلدي عن الحزب الشعبي، قد نجا من ثلاث محاولات اغتيال قامت بها منظمة إيتا لاستقلال إقليم الباسك.
وقالت بياتريز أشا الخبيرة في الشؤون السياسية في جامعة نافارو العامة إن "تجربته السياسية في بلاد الباسك التي تمثلت بسنوات من التهديدات، قد أثرت بالتأكيد على أفكاره. لكن بالتأكيد لم يتبن كل الذين هددتهم إيتا مواقف متطرفة إلى هذا الحد". وأضافت "أعتقد أن التقاليد العقائدية لعائلته لعبت دورا أيضا".
ولا يخفي الرجل أنه يمتلك مسدسا من نوع "سميث أند ويسون" وهو أمر نادر في بلد تفرض فيه القوانين قيودا صارمة على حيازة الأسلحة. وإلى جانب الانتقادات لأفكاره، يذكر معارضوه بماضيه كمسؤول كان يحصل على راتب عال جدا في وكالات ومؤسسات عامة عندما كان عضوا في الحزب الشعبي. وقد أكد في وقت لاحق أن هذه المؤسسات "غير مجدية".
في مدريد، أشار عامل البناء المتقاعد كارلوس غونزالس إلى أنه صوت للاشتراكيين، وهو "خيار معتدل" كما قال. وأضاف "فوكس يعود إلى الوراء، إلى الماضي. هذا ليس المستقبل، المستقبل يكمن في أوروبا موحّدة".
لكنّ دولوروس بالومو (48 عاما) التي صوّتت قرب برشلونة (كاتالونيا) لحزب المواطنة ترفض "سياسة التخويف" من اليمين المتشدد التي يتبعها سانشيز. وتأمل في قيام تحالف بين أحزاب اليمين الثلاثة، معتبرة أن حزبي المواطنة والحزب الشعبي سيضمنان أن لا يكون التحالف تحت هيمنة "أقصى اليمين المتطرف".
من جهته، قال فالانتينو لوبيز في فالنسيا، إنه صوت لفوكس لأن "هذا البلد يحتاج تغييرا عميقا"، نافياً أن يكون "فاشيا".
وفي ساحة مارغاريت تاتشر في وسط مدريد، ردد ناشطون "تحيا إسبانيا" (فيفا إسبانيا) عند إعلان دخول الحزب إلى مجلس النواب بعدما حصل على عشرة بالمئة من الأصوات و24 مقعدا من أصل 350 في المجلس.
وعند إعلان النتائج التي يمكن أن تسمح للاشتراكي بيدرو سانشيز بتشكيل حكومة تحالف، ترددت صرخات "مرعب" و"مثير للاشمئزاز". وقالت ماريا بونيا أورتيغا (22 عاما) التي تدرس الفلسفة وهي تحدق في شاشة كبيرة، "هذه النتائج ليست سوى ترهات".
وقالت هذه الشابة التي ترتدي لباسا أسود وتضع علم بلدها على كتفيها، "كنت آمل أن يحصل "فوكس" على عدد أكبر من الأصوات"، معتبرة أنه "بهذه النتيجة لن يكون له أي وزن في مجلس النواب". وكانت استطلاعات الرأي تتوقع أن يحصل الحزب على 12 بالمئة من الأصوات وحوالى ثلاثين مقعدا في مجلس النواب.
لكن عدة محللين كانوا يشيرون إلى "تصويت خفي" ليسوا قادرين على رصده لهذا الحزب المعادي في خطبه للهجرة وللمساواة بين الجنسين، ويضم في صفوفه جنرالات متقاعدين يدافعون عن عهد فرانكو. ويعارض "فوكس" أيضا زواج المثليين والحق في الإجهاض.
وقال العامل ريكاردو دياز بيريرا (41 عاما) "إنها بداية ثورة، ثورة الناس العاديين الشباب والعائلات". وأضاف "لا يطلقون سوى الأكاذيب ضد "فوكس". يقولون إنه مؤيد لفرانكو، وهذا خاطئ وهذا الشيء الوحيد الذي كان يمكنهم قوله لمنعه من الفوز"، قبل أن ينشد مع أصدقاء له "أنا إسباني إسباني إسباني".
من جهته، رأى الطالب غونزالو رودريغيز (18 عاما) الذي صوت للمرة الأولى أن "فوكس" هو "الحزب الوحيد الذي يدافع عن وحدة إسبانيا وقيم العائلة التقليدية".