البيان التلفزيوني الجزائري لم يتوقف عند هذا الحد، بل اتهم الإمارات بـ"تجاوز كل الخطوط الحمراء" وبأنها تحولت إلى "مصنع لإنتاج الشر والفتنة"، معتبراً أن هجومها الأخير عبر إحدى قنواتها الإعلامية يستهدف زرع "السم والقذارة" بين الجزائريين، وذلك في سياق خدمة "كيانات مصطنعة" أخرى، في إشارة ضمنية لإسرائيل.
يأتي هذا الهجوم العنيف بعد فترة وجيزة من بث قناة "سكاي نيوز عربية" الإماراتية مقابلة مع مؤرخ جزائري انتقد فيها جهات داخلية وخارجية مع إظهار دعم للسلطة الحالية. ورغم تأكيد دبلوماسيين إماراتيين أن المقابلة تمثل رأياً شخصياً، إلا أن الجزائر اعتبرت استخدام المنصة الإعلامية الإماراتية عملاً عدائياً موجهاً.
لكن هذا التصعيد لا يمكن فصله عن سياق أعمق من التوترات المتراكمة خلال العامين الماضيين. فالجزائر تتهم أبوظبي صراحة بالقيام بـ"أعمال عدائية" في المنطقة، وتبدي قلقاً متزايداً من دورها في دفع دول الجوار نحو التطبيع مع إسرائيل، إضافة إلى موقف الإمارات الداعم لمغربية الصحراء وافتتاحها قنصلية في العيون، وكلها خطوات تعتبرها الجزائر تهديداً مباشراً لها.
ويرى بعض المحللين أن هذا الهجوم الشديد قد يكون محاولة من النظام الجزائري لتصدير أزماته الداخلية وصرف الانتباه عن تحديات اقتصادية واجتماعية وسياسية، خاصة في ظل عزلة إقليمية متفاقمة وتراجع نفوذها الدبلوماسي في محيطها، لا سيما منطقة الساحل. فخلق عدو خارجي، حتى وإن كان دولة عربية، قد يخدم هدف حشد الجبهة الداخلية.
ويتسق هذا الخطاب مع تحذيرات سابقة أطلقها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في أبريل الماضي، ملمحاً إلى الدور المالي الإماراتي في مناطق النزاع الإقليمية، ومؤكداً أن الجزائر لن تقبل التعامل معها بـ"أساليب" تُستخدم مع الآخرين.
ورغم حدة اللهجة، لم تُقدم الجزائر على استدعاء سفيرها من أبوظبي، كما لم يصدر رد فعل رسمي إماراتي مباشر، باستثناء تغريدة لمستشار الرئيس الإماراتي حملت أبياتاً شعرية فُسرت على أنها رد غير مباشر.
يبقى هذا النهج الجزائري المتمثل في فتح جبهات خلاف حادة بدلًا من السعي للحوار والتقارب، مثيراً للتساؤلات حول بوصلة البلاد الاستراتيجية. ففي وقت تحتاج فيه المنطقة إلى التكاتف، يبدو أن اختيار خطاب التفرقة والهجوم المباشر قد يعمق عزلة الجزائر بدلًا من أن يحل مشاكلها أو يعزز مكانتها الإقليمية.