الجزائر والمغرب: متى يُكسَر الحاجزُ الاكبر؟

يمضيان معا يدا بيد نحو افريقيا ؟ يخاطبان أوروبا بصوت واحد ؟ يحولان جزءا من إنفاقهما على التسلح لصالح مشاريع تنموية مشتركة؟ باستطاعة المغرب والجزائر أن يطويا ملف الصحراء ويحسماه بشكل نهائي، ويتوصلا لحل مشاكل الحدود، ويتفقا بأسلوب أخوي وودي على إعادة فتحها، وعلى ترسيم بعض النقاط التي لم ترسم منها، باستطاعتهما أن يفعلا ذلك وغيره. لكن لا شيء سيمنعهما اليوم وقبل الوصول لذلك من أن يخرجا علاقتهما من وضعها الحالي حتى لو استمر كل بلد في الحفاظ على سياسته وتمسك بمواقفه وخياراته. وأكثر من يدرك ما قد يعنيه ذلك هم خبراء الاقتصاد. فلغة الأرقام التي يعرفونها أكثر من غيرها تسمح لهم بتوقع حجم النمو ومقدار التنمية التي ستتحقق جراء تلك العملية. لكن المؤسف هو أن ولادة التنين المغاربي التي طال انتظارها مازالت مرفوضة إقليميا ودوليا على ما يبدو. فاستبقاء التوتر والنزاع الصامت بين الجارتين المغاربيتين بات وبالنسبة لأكثر من طرف هدفا في حد ذاته. وفعليا فقد بقيت تلك الوضعية هي العائق الأكبر أمام أي تفكير لاحق في قيام اتحاد مغاربي حقيقي. لكن من يتحمل المسؤولية عنها؟ السبت الماضي وبمناسبة ذكرى جلوسه على العرش وجد العاهل المغربي أن إطلاق الاتهامات ليس مجديا وأن لا معنى على الإطلاق لاتهام طرف دون الآخر، وقال إن الوضع الحالي للعلاقات المغربية الجزائرية «لا يرضينا وليس في مصلحة شعبينا وغير مقبول من طرف العديد من الدول» قبل أن يجدد دعوته للجزائر لإعادة فتح الحدود المغلقة مع بلاده منذ ما يقرب من ثلاثة عقود لأن «إغلاق الحدود يتنافى مع حق طبيعي ومبدأ قانوني أصيل تكرسه المواثيق الدولية بما في ذلك معاهدة مراكش التأسيسية لاتحاد المغرب العربي التي تنص على حرية تنقل الأشخاص وانتقال الخدمات والسلع ورؤوس الأموال بين دوله» مثلما قال. وفيما لم يصدر إلى الآن أي رد فعل أو موقف رسمي من الجزائر على تلك الدعوة فإن جبهة البوليزاريو كانت وحدها من سارعت للتحدث في الموضوع. لكن باسم من كانت تتكلم الأحد الماضي حينما عقبت على ذلك الخطاب ببيان إعلامي؟ هل كانت تنوب عن الجزائر في نقل ردها الرسمي على دعوة الملك محمد السادس للأشقاء الجزائريين «للعمل معا دون شروط من أجل بناء علاقات ثنائية أساسها الثقة والحوار وحسن الجوار»؟ أم أنها كانت تعبر عن مخاوفها مما قد تستشعره خطرا وجوديا يتهددها متى اتفق الجاران المغاربيان في وقت ما لا على فتح الحدود بينهما فحسب بل على تكريس وضع مغاير تماما يكونان فيه «أكثر من دولتين جارتين» أي «توأمين متكاملين» كما جاء في عبارة محمد السادس؟

ربما يبقى الأمر مفتوحا على أكثر من احتمال. لكن نقل وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية لبيان البوليزاريو الذي اعتبرت فيه ذلك النداء «كلاما معسولا» هدفه ربح الوقت قد يعني أن جزءا من النظام الجزائري على الأقل يتبنى ذلك الموقف ولا يرى أنه من الضروري أن تقابل اليد المغربية الممدودة للجزائر بيد جزائرية تمد للمغرب. والسؤال هنا هو لم لا يقول الجزائريون ذلك صراحة؟ لم لا يخرجون ويعلنون عن موقف واضح إما بقبول الحوار مع الجارة الغربية أو برفضه من حيث الأصل؟ إن المشكل هو أن حالة الغموض والتضارب في التصريحات وإرسال الإشارات المتناقضة والقابلة لأكثر من تأويل هو ما يجعل موقفهم يبدو بنظر الكثيرين ملتبسا وغير مفهوم. فكم مرة خرج الرئيس الجزائري مثلا ليقول أن «لا مشكل للجزائر مع المغرب لكن يبدو أن المغرب هو من له مشكل مع الجزائر». غير أن الدعوات للمصالحة وللحوار ظلت مع ذلك تصدر عن جهة واحدة. وبغض النظر عن تقييم الجزائر لها أو تفسيرها لأسبابها ودوافعها وربما حتى للنوايا المبيتة من وراءها فإنها لم تقم بأي مبادرة أو عرض لتطوير العلاقات مع جارتها والخروج بها من وضع شاذ لازالت تعيشه منذ عقود هو أشبه بوضع اللاحرب واللاسلم. ولعل ذلك ما يدل وبوضوح على أنها لا تثق في الطرف المقابل وأنها لا ترجو أو لا تتوقع حصول تغير إيجابي من ناحيته قد يجعلها تراجع مواقفها وتقبل بمد يدها له. لكن لم يستمر المغرب بالمقابل في إطلاق مبادرات يعلم مسبقا أنها قد لا تلقى صدى أو تجاوبا من المعنيين بها؟ ربما هو يفعل ذلك حتى يبقي الكرة في المرمى الآخر وحتى يكشف بطريقة ما عن زيف ادعاء من يتمسك بشعارات الأخوة وحسن الجوار ويفعل العكس. لكن السؤال هو لم لا يوجد ومن الجانبين من يلتقط تلك الإشارات ليحقق من خلالها اختراقا ولو محدودا في علاقة البلدين؟ هل يعجز المغاربة والجزائريون عن فعل ذلك لأنهم لا يستطيعون أن يتخطوا أكبر حاجز يقف بينهم وهو البوليزاريو كما يعتقد البعض؟ لاشك أن الجبهة واحدة من العقبات لكن المشكل النفسي بين البلدين أعمق وأكبر من ذلك. والسؤال هنا لم امتنعت باقي الدول المغاربية عن القيام بأي وساطة ولم تبذل أي مسعى في اتجاه تحقيق لقاء أو حوار مغربي جزائري؟ أليس من مصلحتها أن ينتهي التوتر بينهما أم أنها ورغم كل ما تقوله تستفيد وبشكل من الأشكال من استدامة تلك الخلافات وبقائها ؟ من الواضح أن جلوس المغاربة والجزائريين إلى طاولة المفاوضات وفتح الملفات العالقة بينهم يقتضي منهم أن يعيدوا بناء الثقة بينهم. وفي ظل التراكمات التي حدثت على مدى العقود الماضية يحتاج ذلك لا فقط إلى إرادة صادقة منهم بل أيضا لحرص وربما حتى دفع من دول الجوار لحثهم على السير في ذلك الاتجاه. وقد يقول البعض أن تلك الدول التي تعاني من أزمات ومشاكل كثيرة لا تستطيع فعل ذلك وأن وضع العلاقات المغربية الجزائرية يختلف تماما عن وضع أي علاقة بين بلد مغاربي وآخر وأن المسألة في غاية التعقيد والصعوبة. لكن أليس تهاون المغاربيين وتقصيرهم هو من جعلها تبدو لهم الآن ولغيرهم على ذلك النحو ؟ ثم ألا يعود جزء من ذلك التعقيد والتضخيم إلى وهم زرعه وروجه من يرغب بتأبيد الوضع وإبقاء الأمور على حالها؟ لاشك أن الحاجة باتت ملحة أكثر من أي وقت مضى كي يدرك المغاربة والجزائريون أن الحاجز الكبير الذي أقاموه على مزيج من الخرافات والإشاعات والمبالغات الإعلامية ليحول بين بعضهم البعض هو حاجز ذهني غير طبيعي وأن العقود التي بذلوها لفرض امبراطورية مغربية عظمى أو لإقامة جزائر كبرى ذهبت سدى لأن السباق على من يكون الأقوى أو الأكبر أو الأكثر عراقة في المنطقة لم يكن له أي معنى على الإطلاق بين شقيقين توأمين كما وصفهما العاهل المغربي وكما يفترض أن يكونا.

نزار بولحية
كاتب وصحافي من تونس


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.