كشفت نادية فتاح العلوي، وزيرة الاقتصاد والمالية، عن بلوغ الاستثمار العمومي بالمغرب مستويات غير مسبوقة، مؤكدة أنه من المرتقب أن يصل إلى نحو 130 مليار درهم في أفق سنة 2026، مع تسجيل زيادة تناهز 150 مليار درهم خلال الولاية الحكومية الحالية. جاء ذلك خلال تفاعلها مع أسئلة المستشارين البرلمانيين، في الجلسة العمومية المنعقدة يوم الثلاثاء 30 دجنبر الجاري.
وأبرزت الوزيرة أن هذا المجهود الاستثماري يتوزع بين المؤسسات والمقاولات العمومية بحوالي 180 مليار درهم، و133 مليار درهم في إطار النظام العام للاستثمار، إضافة إلى 22.5 مليار درهم موجهة للجماعات الترابية، فضلاً عن تدخلات صندوق محمد السادس للاستثمار.
وشددت فتاح العلوي على أن الاستثمار العمومي يشمل مختلف جهات المملكة، ويستهدف بالأساس القطاعات الاجتماعية، خاصة الصحة والتعليم، إلى جانب البنيات التحتية، مؤكدة أن التوجيهات الملكية تحث على جعل هذا الاستثمار رافعة مباشرة لتحفيز القطاع الخاص. وفي هذا السياق، أبرزت دور الطلبيات العمومية والشراكات بين القطاعين العام والخاص، وتحسين مناخ الأعمال، بما يمكن المقاولات الخاصة من الاستفادة من الدينامية الاقتصادية المحدثة.
وفي تعقيبها على ملاحظات المستشارين، أكدت الوزيرة أن العدالة المجالية تظل أولوية محورية، داعية إلى توجيه الاستثمارات نحو الجهات التي تعاني خصاصاً في البنيات التحتية، بهدف تقليص الفوارق المجالية. وأوضحت أن الاستثمار العمومي لا يتعارض مع الاستثمار الخاص، مستشهدة بتجربة ميناء طنجة المتوسط، حيث ساهم استثمار عمومي بقيمة 42 مليار درهم في استقطاب 84 مليار درهم من الاستثمارات الخاصة إلى غاية سنة 2024، مع إحداث حوالي 130 ألف فرصة شغل.
وأضافت أن دور الدولة يتمثل في تهيئة الشروط الملائمة لنمو القطاع الخاص، من خلال توفير البنيات التحتية، وتأهيل الموارد البشرية، وضمان سلاسة النقل والحركية، مشيرة إلى أن هذا النهج سيُعزز في مشاريع موانئ أخرى. كما توقفت عند نتائج تقرير “Business Ready” الصادر عن البنك الدولي، مؤكدة أن احتلال المغرب المرتبة الثانية إفريقيا وعربياً يعكس تحسناً ملموساً في مناخ الأعمال وجاذبية الاستثمار.
وعلى الصعيد الإفريقي، أوضحت الوزيرة أن القارة تزخر بإمكانات هائلة، لكنها تواجه تحديات كبرى، خاصة في تمويل البنيات التحتية والخدمات الاجتماعية، حيث يقدر العجز بحوالي 400 مليار دولار. وذكّرت بالتأكيدات الملكية على أن إفريقيا فضاء واعد للنمو والتنمية المشتركة، وليست هامشاً في الاقتصاد العالمي.
وفي هذا الإطار، أبرزت أن المغرب، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، جعل من العمق الإفريقي محوراً استراتيجياً في سياسته الاقتصادية، معتبرة أن العودة إلى الاتحاد الإفريقي شكلت منعطفاً استراتيجياً لتعزيز الاندماج القاري، والمساهمة في إنجاح منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية.
وسجلت فتاح العلوي أن المبادرة الأطلسية الملكية تندرج ضمن هذا التوجه، وتشمل 23 دولة وتمتد على حوالي 12 ألف كيلومتر، بما يمثل 55 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي للقارة، وتهدف إلى فك العزلة عبر مشاريع مهيكلة للبنيات التحتية. كما توقفت عند مشروع أنبوب الغاز المغربي-النيجيري، الذي وصفته بالاستراتيجي لتعزيز الأمن الطاقي، بميزانية تناهز 25 مليار دولار، وطول يقارب 6000 كيلومتر، وبطاقة نقل تصل إلى 30 مليار متر مكعب.
وأشارت الوزيرة إلى أن نحو 600 مليون إفريقي لا يزالون دون ولوج إلى الكهرباء، معتبرة أن هذه المشاريع تحمل بعداً تنموياً واجتماعياً إلى جانب بعدها الاقتصادي. كما أكدت أن الاستثمارات المغربية بإفريقيا شهدت نمواً لافتاً، إذ بلغت سنة 2024 حوالي 5 مليارات دولار، بارتفاع قدره 220 في المائة.
وفي مجال الأمن الغذائي، أبرزت فتاح العلوي مساهمة المغرب في دعم الدول الإفريقية عبر نقل الخبرة، خاصة من خلال المكتب الشريف للفوسفاط، الذي واكب أكثر من 4 ملايين فلاح إفريقي، وساهم في رفع صادرات الأسمدة إلى القارة من 3.3 ملايين طن سنة 2013 إلى حوالي 12.3 مليون طن سنة 2023.
وختمت الوزيرة بالتأكيد على الحضور القوي للبنوك المغربية بإفريقيا، خاصة بغرب القارة، إلى جانب الاستثمارات في قطاعات الموانئ والاتصالات، مبرزة أن المغرب يعتمد مقاربة تعاون رابح-رابح، تجمع بين القطاعين العام والخاص، بهدف تعزيز الاندماج الاقتصادي الإفريقي.