كشفت معطيات حديثة صادرة عن مؤسسة “أفروبارومتر”، المتخصصة في استطلاعات الرأي على مستوى القارة الإفريقية، أن الشمول المالي في المغرب وإفريقيا يسير بسرعتين مختلفتين، حيث ما تزال الحسابات البنكية التقليدية محدودة الانتشار مقارنة بالخدمات المالية عبر الهاتف المحمول.
وأبرزت الدراسة، المعنونة بـ**“مؤشرات الوصول إلى التمويل وأثرها على تعبئة رأس المال المحلي”**، أن 58 في المائة من المغاربة يتوفرون على حسابات مصرفية تقليدية، مقابل 12 في المائة فقط يمتلكون حسابًا ماليًا عبر الهاتف المحمول، في وقت تعكس فيه الأرقام الإفريقية واقعًا مغايرًا، إذ لا تتجاوز نسبة امتلاك الحسابات البنكية 37 في المائة، مقابل 60 في المائة لحسابات المال عبر الهاتف.
وأوضحت المؤسسة أن هذا التفاوت يكشف عن الدور التحويلي المتنامي للنقود المتنقلة في توسيع الولوج إلى الخدمات المالية، في مقابل استمرار إقصاء فئات واسعة من الأنظمة البنكية التقليدية، مشيرة إلى أن التمييز بين النوعين من الحسابات يظل معقدًا، بالنظر إلى اختلاف أدوارهما ووظائفهما داخل الاقتصادات الإفريقية.
وسجل التقرير وجود تفاوتات حادة بين دول القارة، حيث يكاد امتلاك الحسابات البنكية يكون شبه شامل في بلدان مثل موريشيوس وسيشيل، في مقابل ضعف شديد في دول أخرى، من بينها غينيا ومدغشقر، حيث لا يتوفر سوى أقل من واحد من كل عشرة مواطنين على حساب مصرفي.
وعزت الدراسة هذا الخلل إلى مجموعة من العوامل البنيوية، من بينها ضعف البنية التحتية البنكية بالمناطق القروية، وارتفاع كلفة المعاملات، وتدني مستويات الثقافة المالية، إضافة إلى هشاشة الدخل المرتبط بالقطاع غير المهيكل، واستمرار الفوارق بين الجنسين التي تعيق ولوج النساء إلى الخدمات المالية الرسمية.
كما أشارت “أفروبارومتر” إلى أن الاعتبارات الدينية، خصوصًا في بعض بلدان شمال إفريقيا، تضيف قيودًا إضافية على الإقبال على البنوك التقليدية، بسبب ارتباطها بنظام الفائدة الذي يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية لدى شرائح واسعة من السكان.
وأكدت الوثيقة أن الإدماج المالي في إفريقيا يتخذ مسارين متداخلين، حيث أصبحت المنصات الرقمية والمال عبر الهاتف المحمول المدخل الأساسي للخدمات المالية بالنسبة لملايين الأفارقة، خاصة فئة الشباب، في حين يظل امتلاك الحسابات البنكية حكرًا على الفئات الأكبر سنًا، والأكثر تعليمًا، وسكان المدن.
وخلصت الدراسة إلى أن الشمول المالي لا يرتبط فقط بالخصائص الفردية، بل يتأثر بشكل كبير بالسياق الوطني، بما في ذلك الأطر التنظيمية، وتطور شبكات الهاتف المحمول، ونضج أنظمة التمويل الرقمي، وهو ما يفسر استمرار الفوارق الكبيرة بين الدول الإفريقية رغم تقارب بعض المؤشرات الاجتماعية.