لم تعد مسألة الانتقال إلى الطاقات المتجددة خيارًا مؤجلًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بل تحوّلت إلى ضرورة تفرضها التحولات المناخية والاقتصادية المتسارعة، وفق ما كشف عنه تقرير حديث صادر عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS).
التقرير، المعنون بـ**«سباق الطاقة المتجددة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا»**، أشار إلى أن المنطقة، رغم تأخرها النسبي مقارنة ببقية أنحاء العالم في تطوير بنيتها التحتية، مقبلة على طفرة استثمارية كبيرة من شأنها رفع القدرة الحالية للطاقة المتجددة إلى نحو أربعة أضعاف بحلول عام 2030.
وأوضح المعهد أن دول المنطقة لا تنطلق من الأرضية نفسها في ما يتعلق بتنويع وتأمين إمدادات الطاقة، في ظل تباين حاد بين بلدان مستقرة وأخرى ترزح تحت وطأة النزاعات أو عدم الاستقرار السياسي والفساد، ما يعرقل قدرتها على التكيّف مع الضغوط المناخية المتزايدة.
وفي هذا السياق، لفت التقرير إلى أن الوكالة الدولية للطاقة رفعت توقعاتها لنمو قدرات الطاقة المتجددة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بنسبة 25 في المائة خلال السنوات الخمس المقبلة، وهو أعلى تعديل تصاعدي إقليمي على الصعيد العالمي.
وأكد المصدر ذاته أن التغيرات المناخية، وما تخلّفه من تأثيرات خطيرة على التربة وأنظمة المياه، باتت تهدد الزراعة والأمن الغذائي والاقتصادات الوطنية، مبرزًا أن الطاقات المتجددة يجب أن تُنظر إليها كأداة للتكيّف وتعزيز أمن الطاقة، وليس فقط كبديل تقني للوقود الأحفوري.
وسلّط التقرير الضوء على التجربة المغربية، مبرزًا أن المملكة، باعتبارها اقتصادًا غير معتمد على الهيدروكربونات ومستوردًا صافياً للطاقة، تبنّت استراتيجية «الجيل الأخضر 2020–2030» استجابة لهشاشة الترابط بين الغذاء والماء والطاقة. وأضاف أن البرنامج المغربي لتطوير الطاقات المتجددة، الذي يناهز 24 غيغاواط، يسير بالتوازي مع الخطة الوطنية للمياه 2020–2050، بكلفة تقارب 45 مليار دولار، بهدف تعزيز صمود المنظومة الغذائية عبر تحلية المياه باستخدام الطاقات النظيفة.
كما أشار إلى جهود المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب في دمج صناعة الأسمدة بإنتاج الهيدروجين الأخضر، وتوسيع قدرات التخزين الكهرومائي المعتمد على الطاقات المتجددة، بما يقلل من هشاشة البلاد أمام اضطرابات سلاسل الإمداد العالمية.
في المقابل، سجل التقرير أن النزاعات وسوء الحكامة في عدد من دول المنطقة حالت دون جذب الاستثمارات الأجنبية وتطوير مشاريع الطاقات المتجددة، مستشهدًا بحالة العراق، حيث تؤدي موجات الحر المرتفعة إلى انهيارات متكررة في شبكة الكهرباء، في ظل غياب إرادة سياسية فعالة لتوجيه الاستثمارات نحو الحلول المستدامة.
وحذّر المعهد من أن تسارع تطوير البنية التحتية للطاقات المتجددة يواجه ضغوطًا متزايدة بسبب الاستنزاف السريع للمعادن الحرجة، مثل النحاس والليثيوم، الضرورية لسلاسل الإمداد، مبرزًا أن الهيمنة الصينية على هذه السلاسل باتت عنصرًا حاسمًا في الاستراتيجيات الوطنية للطاقة بالمنطقة.
وختم التقرير بالتأكيد على أن مقاربة تطوير الطاقات المتجددة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تظل، في جوهرها، جيوسياسية واقتصادية أكثر منها بيئية، في ظل سعي الدول المنتجة للطاقة إلى الحفاظ على نفوذها العالمي، رغم تصاعد الدعوات الدولية للتقليص من الاعتماد على الوقود الأحفوري، الذي لا يزال يشكّل نحو 90 في المائة من إنتاج الكهرباء بالمنطقة.