راوية.. تكريم روح فنية صنعت من كل دور رواية خالدة

عاشت الدورة الثانية والعشرون للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، مساء أمس الثلاثاء، واحدة من أكثر لحظاتها تأثيراً، حيث احتفت بمنح درع التكريم للفنانة الكبيرة فاطمة هراندي المعروفة في الوسط الفني براوية في أجواء غمرتها التصفيقات وعمّتها مشاعر الاعتزاز والفخر والامتنان.

لم يكن هذا التكريم مجرد تتويج لفنانة مخضرمة، بل احتفاءً بمسيرة كاملة من الأدوار التي شكّلت ذاكرة للمشاهد المغربي، أدوار بصمت بعمقها وصدقها، وقدّمت من خلالها راوية نموذجاً للممثلة التي تتجاوز حدود الأداء العادي لتبلغ مناطق استثنائية من التشخيص. هي حضور يفرض احترامه، وموهبة تجبرك على التصفيق حتى بعد انتهاء المشهد، الفنانة التي تحيط نفسها بهالة خطيرة لا يمتلكها سواها اعتلت المنصة بخطوات واثقة تلخص نجاح سنوات من العطاء الفني

كانت لحظة الصعود إلى المنصة لحظة امتزجت فيها كل المشاعر، واستعاد فيها صناع السينما والحضور  قصة امرأة جعلت من الفن أسلوب حياة، ومن كل شخصية تجسدها مرآة لروح شفافة وقوة داخلية لا تخطئها العين.

وخصّ المخرج نور الدين الخماري الفنانة المكرمة بتقديم مؤثر استعاد من خلاله محطات راسخة في مسارها، قبل أن يوجه في كلمته شكراً خاصاً للملك محمد السادس والأمير مولاي رشيد على دعمهما المتواصل للمهرجان.

وأكد نور الدين الخماري في كلمته أن الحديث عن راوية “ليس سهلاً”، واصفاً إياها بأنها “إنسانة ورمز وامرأة حرة”، قبل أن يستحضر أول لقاء سينمائي جمعهما في فيلم “كازانيغرا”، حيث وجد نفسه  “متفرجاً لا مخرجاً” بسبب قوة أدائها، كما استعاد مشهداً صعباً في “الزيرو” أصرت راوية على إعادته مراراً حتى تمنح الكاميرا أفضل نسخة ممكنة وختم قائلاً: “اليونان لديها إيرين باباس، ومصر لديها يسرا… ونحن لدينا راوية”.

وبكلمات عميقة ومشاعر صادقة لامست قلوب الحاضرين اعتلت راوية المسرح قائلة: “تصفيقاتكم مطر… نزلت علي في صحراء فارتويت. شكراً لكم جميعاً.”

وأكدت أن هذا التكريم “تكريم مولوي” لمسارها المتواضع، موجهة شكرها للملك محمد السادس والأمير مولاي رشيد ولكل من يسهرون على استمرار هذا الحدث السينمائي تحت راية المغرب.

وأهدت الفنانة المكرمة هذا التتويج للجمهور المغربي في الداخل والخارج، مستعيدة لحظة وقوفها قبل تسع سنوات على المنصة ذاتها كعضو لجنة تحكيم، قبل أن تعود اليوم بفضل ثقة المخرجين والمخرجات الذين آمنوا بقدرتها على منح الحياة لشخصياتهم.

واختتمت راوية كلماتها برسالة محبة إلى كل زملائها قالت فيها: “إن كان لي فضل في هذا التكريم، فهو يعود لكل المبدعين الذين شاركتهم أعمالاً على مدى أكثر من ثلاثين سنة، فقد صنعنا معاً لحظات ستظل محفورة في الذاكرة.”

هو تكريم روايات صادقة شخّصتها فنانة استثنائية في نهاية هذا الاحتفاء، تبدو راوية أكثر من مجرد اسم لامع في سجل التمثيل المغربي، إنها ذاكرة حيّة لروايات إنسانية مجسدة بصدق نادر. أدوارها لم تكن نصوصاً تُقرأ، بل حيوات تنبض على الشاشة بعمق وتجربة وجرأة. ومع هذا التكريم، يتجدد الاعتراف بفنانة استطاعت أن تحول المواقف البسيطة إلى لحظات خالدة، وأن تمنح كل شخصية جزءاً من روحها. راوية اليوم ليست فقط مكرَّمة في المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، بل مكرَّسة كإحدى أعمدة الأداء المغربي، وكصوت إبداعي سيظل يلهم الأجيال القادمة وتأكيدا بأن الفن الحقيقي لا يشيخ، وأن الموهبة حين تتجذر تصبح جزءاً من هوية بلدٍ بأكمله.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *