رفضت وزارة الداخلية إدراج نقط ضمن جداول أعمال الدورات العادية لشهر أكتوبر الجاري، تخص توزيع مبالغ مالية ضخمة على جمعيات “محظوظة”، تبين أنها تدور في فلك منتخبين نافذين بعدد من المجالس الجماعية. فقد تدخل عمال الأقاليم المعنيون، وأوقفوا إدراج هذه النقط في برامج دورات الميزانية لسنة 2026، بناءً على تقارير دقيقة كشفت استفادة غير مبررة لتلك الجمعيات من منح تتراوح بين 300 و500 مليون سنتيم.
المصالح الإقليمية للداخلية تحركت بعد أن تبين لها أن بعض المنتخبين “يمتلكون” فعليًا هذه الجمعيات أو يتحكمون فيها بشكل مباشر أو غير مباشر، ما يضرب في العمق مبدأ تكافؤ الفرص والشفافية. هذه الخطوة تأتي في سياق التذكير الصارم بتوجيهات وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، التي تشدد على ضرورة ترشيد النفقات العمومية، وإخضاع مالية الجمعيات لافتحاص دقيق من طرف هيئات المراقبة المختصة.
وأكدت مصادر مطلعة أن العمال وجهوا تحذيرات صريحة لرؤساء الجماعات بخصوص ضرورة احترام دوريات وزارة الداخلية، وتفادي تمرير منح مالية لفائدة جمعيات “مقربة”، دون سند قانوني أو معايير واضحة. كما طالبوهم بالتركيز على المشاريع الهيكلية والاتفاقيات التنموية، وتفادي الوقوع في فخ الترضيات السياسية عبر الدعم العشوائي لجمعيات بعينها.
وشددت التعليمات على أهمية المصادقة على ميزانيات واقعية لسنة 2026، تأخذ بعين الاعتبار تراجع المداخيل الجبائية والرسوم المحلية، ما يفرض على المجالس ترشيد نفقات التسيير، وتفادي اللجوء المفرط إلى الاقتراض، إلا لتمويل المشاريع الحيوية ذات الأولوية، خاصة تلك المرتبطة بالماء والطاقة وتحسين ظروف عيش السكان.
كما حملت الداخلية المسؤولين المحليين مسؤولية بطء تنفيذ المشاريع التنموية المبرمجة، والتنبيه إلى أن المواطن لم يلمس بعد الأثر المباشر لهذه المشاريع في حياته اليومية. ولذلك، طالبتهم بإدراج أوراش ملموسة في جداول الأعمال، خاصة في مجالات دعم الأنشطة المدرة للدخل، وتوفير الماء والكهرباء، وتحسين البنية التحتية الأساسية.
وأشارت المصادر ذاتها إلى أن وزارة الداخلية لم تؤشر على طلبات القروض الموجهة إلى صندوق التجهيز الجماعي، باستثناء تلك التي تندرج في إطار اتفاقيات تمويل مشاريع في قطاع الماء، لدعم الأمن المائي ومواجهة التحديات المناخية. كما صادقت على اعتمادات إضافية لتسريع عمليات كهربة المنازل غير المستفيدة، في خطوة تهدف إلى تحقيق العدالة المجالية.
وفي الجانب الاجتماعي والثقافي، حافظت الداخلية على دعم المشاريع التي تُدمج البعد الاجتماعي في السياسات التنموية، حيث سمحت بالمصادقة على اتفاقيات شراكة لدعم برامج موجهة للشباب والنساء، وورشات تقوية القدرات، ومبادرات تعنى بحقوق الأشخاص المسنين وتحسين جودة الخدمات المقدمة لهم، انسجامًا مع أهداف الدولة في تعزيز الحماية الاجتماعية.
الرسالة كانت واضحة: لا تلاعب بعد اليوم في أموال الجماعات، ولا تساهل مع دعم جمعيات تدور في فلك المنتخبين. الجماعات الترابية مطالبة اليوم بإثبات الجدية والفعالية في تدبير الشأن المحلي، وتكريس الشفافية، وربط المسؤولية بالمحاسبة، تحقيقًا لتوجيهات النموذج التنموي الجديد، وتنزيلًا فعليًا للتوجيهات الملكية السامية في مجال العدالة المجالية والتنمية الشاملة.