أشرف الملك محمد السادس على تدشين المركب الصناعي الجديد لمجموعة “سافران” بمنطقة النواصر قرب الدار البيضاء، في خطوة استراتيجية تعكس الطموح الصناعي للمغرب، وترسخ مساره نحو الصناعات المتقدمة، وخاصة في قطاع الطيران.
ويأتي هذا المشروع في سياق توجه المملكة منذ أكثر من عقدين إلى المهن العالمية، بعد أن راكمت تجربة ناجحة في قطاع السيارات، حيث انتقلت من مرحلة التركيب إلى صناعة متكاملة، جعلت من هذا القطاع أحد أبرز محركات التصدير. والرهان اليوم، كما أكد مراقبون، هو استنساخ هذا النجاح في صناعة الطيران عبر الانتقال من التركيب إلى صناعة المحركات الكاملة، بما يضع المغرب ضمن عدد محدود من الدول القادرة على هذه التكنولوجيا.
وفي هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي محمد جدري لجريدة بلبريس إن المغرب يتطلع إلى أن يكون بلدا صاعدا في مجال الصناعة، مضيفا أن تجربة قطاع السيارات تعد نموذجاً يمكن تكراره في صناعة الطيران.
وأوضح جدري أن استقطاب شركات عالمية بحجم “سافران” ليس أمراً اعتباطياً، بل يرتبط بعوامل أساسية، من بينها الأمن والاستقرار، إلى جانب توفر بنية تحتية متطورة، ورأس مال بشري مؤهل يضم مهندسين وتقنيين وأطر عليا.
وأضاف أن مناخ الأعمال الجاذب، والدور المحوري للمؤسسات الاستثمارية الوطنية، فضلاً عن التوجه نحو الطاقات المتجددة وتقليص البصمة الكربونية، كلها عوامل تجعل المغرب وجهة مثالية للصناعات ذات القيمة المضافة العالية.
وشدد جدري على أن صناعة الطائرات ستعزز الميزان التجاري الوطني، وتدعم السيادة الاقتصادية، كما ستوفر فرص عمل جديدة للشباب وتنقل التكنولوجيا والخبرة، وهو ما يفرض، حسب قوله، مضاعفة الجهود في تكوين الكفاءات عبر الجامعات والمعاهد العليا ومؤسسات التكوين المهني.
من جهته، قال الخبير الاقتصادي بدر زاهر الأزرق إن أهمية مشروع “سافران” لا تختزل فقط في المناصب المباشرة التي سيوفرها، بل في كونه رافعة استراتيجية لاستقطاب مزيد من الشركات العالمية العملاقة.
وأكد الازرق في حديثه مع بلبريس أن استقرار مثل هذه الشركات في المغرب يخلق تلقائياً منظومة اقتصادية متكاملة، إذ تفوض للمقاولات المحلية صناعة أجزاء من المحركات والطائرات، لتتحول بذلك إلى حاضنات صناعية جديدة.
وأضاف الأزرق أن هذه الدينامية سبق أن تجسدت بوضوح في قطاع السيارات، حيث أدى استقرار أولى الشركات الكبرى إلى ولادة شبكة واسعة من مئات المقاولات المحلية والدولية، ثم تبعتها شركات أخرى خلقت بدورها نسيجاً صناعياً موسعاً وفر عشرات الآلاف من فرص الشغل المباشرة وغير المباشرة.
وشدد على أن التجربة نفسها يمكن أن تتكرر اليوم في قطاع الطيران، ليس فقط في النواصر والدار البيضاء، بل أيضاً في مدن مثل فاس ووجدة والداخلة والرشيدية، مؤكداً أن الآفاق في هذا القطاع واسعة وتشمل الطيران المدني والعسكري وصناعة الطائرات بدون طيار.
وهكذا، فإن تدشين مصنع “سافران” بالنواصر ، وفق الخبيرين ، يمثل أكثر من مجرد استثمار صناعي، إذ يشكل منعطفا جديدا في مسار التصنيع بالمغرب، ويؤكد الثقة الدولية في قدراته، كما يفتح آفاقاً رحبة لاندماج المملكة في سلاسل القيمة العالمية، ويوفر ثروة ومناصب شغل، ويعزز مكانتها كوجهة صناعية صاعدة.