إعفاء الملك لرئيس الحكومة .. ماذا يقول الدستور المغربي؟

تم تداول نهاية هذا الأسبوع “وثيقة مجهولة المصدر” باسم حركة “جيل Z”، تطالب بإصلاحات اقتصادية واجتماعية وسياسية وأخرى دستورية، ومن جملة هذه المطالب، دعوة الملك إعفاء رئيس الحكومة اخنوش، وهو المطلب الذي أعاد للواجهة موضوع صلاحية الملك الدستورية في إعفاء رئيس الحكومة وليس إقالته لكون الدستور المغربي يتحدث عن الاعفاء وليس عن الإقالة.

وبالرجوع للدستور المغربي، فإننا لا نجد فيه فصلا واضحا يمنح الملك صلاحية إعفاء رئيس الحكومة أو دفعة لتقديم استقالته، وهذا ما نص عليه مضمون الفصل 47 من دستور 2011، الذي يمنح للملك فقط، إما بمبادرة منه إمكانية إعفاء عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم (البند 3 من الفصل 47)، وإما إعفاء عضو أو أكثر من أعضائه الحكومة بطلب من رئيس الحكومة أو بناء على استقالتهم (أعضاء الحكومة) الفردية والجماعية (البندين 3 و4 من الفصل 47).

أما موضوع إعفاء الملك لرئيس الحكومة أو مطالبته بتقديم استقالته فتكون بمبادرة تلقائية من رئيس الحكومة الذي يتقدم بها من تلقاء نفسه وبمبادرة منه، على أساس أن ذلك يجد سنده في البند 6 من الفصل 47.

وحسب الفصل 47 فالملك :’’يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها’’،
في حين يبقى موضوع إعفاء الملك لرئيس الحكومة، من الناحية الدستورية ممكنا. لكن في حالات محددة ومؤطرة قانونا، وهو ما نص عليه الفصل السالف ذكره أي الفصل 47 الذي جاء فيه: ‘’للملك، بمبادرة منه، وبعد استشارة رئيس الحكومة، أن يعفي عضواً أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم، كما يمكن للملك أن يعفي رئيس الحكومة من مهامه، بناءً على استقالته المقدمة بملء إرادته.”

وعليه، فالملك لا يعفي رئيس الحكومة إلا بطلب من هذا الأخير بعد تقديم استقالته، وحتى في هذه الحالة فللملك صلاحيات قبول الاستقالة أو رفضها، لكن يمكن للملك إعفاء رئيس الحكومة إذا دخلت البلاد في أزمة سياسية أو مؤسساتية أصبحت تهدد سير المؤسسات التنفيذية أو التشريعية، أو حدوث اختلالات خطيرة في عمل الحكومة، في هذه الحالات يمكن للملك تفعيل صلاحياته الدستورية المتمثلة: حل البرلمان، والدعوة إلى انتخابات جديدة، مما يؤدي عملياً إلى إنهاء مهام رئيس الحكومة، بناء على مضمون الفصل 42 من الدستور الذي ينص على أن الملك هو: ‘’ضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها…”

لذلك نقول ، انطلاقا من صلاحيات الملك التحكيمية التي خولها له الدستور، يمكن للملك التدخل لإعفاء رئيس الحكومة إذا ما تعطل عمل المؤسسات، أو دخلت البلاد في أزمة حكومية حادة، لكن هذا التدخل يكون دائماً مؤطرا دستوريا وليس بشكل مباشر لإعفاء رئيس الحكومة خارج مسطرة دستورية، دون اغفال مضامين الفصلين التاليين:

– الفصل 51 الذي يمنح الملك تدخلا غير مباشر من أجل حمل رئيس السلطة التنفيذية ـ بطريقة ضمنية ـ على تقديم استقالته التلقائية والإختيارية حتى لو لم يكن له رغبة في ذلك، خاصة وأن هذا الفصل يتيح للملك صلاحية وإمكانية حل مجلسي البرلمان (النواب والمستشارين) أو أحدهما (مجلس النواب مثلا) بموجب ظهير شريف ووفق شروط شكلية محددة.

-الفصل 96 الذي يحدد الشروط الشَّكلية، التي تسبق مسطرة الحَلّ الملكي للمجلسين معا أو أحدهما (مجلس النواب مثلا) وهذه الشروط الشكلية هي: استشارة رئيس المحكمة الدستورية؛ اخبار رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين، لكن شريطة أن يقع الحل الملكي للبرلمان بمجلسيه أو أحدهما بعد خطاب يوجهه الملك إلى الأمة، بَيْدَ أنه للملك وحده صلاحية تقدير توافر الشُّرُوط المُوجِبَة لحل المجلسين أو أحدهما من عدم توافرها.

يتبين – اذان- من فصول الدستور المغربي ان مطلب اعفاء الملك رئيس الحكومة ، او دفعه للاستقالة مجرد ردود افعال ، او مواقف او متمنيات ذاتية غير مبنية على اسس دستورية صلبة ، فالبلاد- والحمد لله- تحت القيادة المتبصرة لصاحب الجلالة لا تمر بأزمة سياسية تهدد امن واستقرار البلاد، والمؤسسات الدستورية تشتغل بكيفية عادية، المجالس الحكومية تنعقد بشكل عادي،ومكونات السلطة التنفيذية منسجمة ، والمؤسسة التشريعية بمجلسيها تشتغل ،وهي اليوم تتزين لاستقبال صاحب الجلالة لافتتاح الدورة الخريفية ،وهي اخر ولاية خريفية لحكومة اخنوش التي بقي من عمرها 10 اشهر .

كل ما سبق يدفعنا لنتساءل عن الداعي لكل هذه الضجة لإعفاء جلالة الملك رئيس الحكومة، وهو الملك الذي يلتزم باحترام الدستور بكل حيثياته؟ ولماذا في هذا الوقت بالذات، خصوصا، والبلاد مقبلة بعد شهرين لتنظيم تظاهرة كروية إفريقية كبرى تتعلق باحتضان كأس افريقيا للأمم؟
وهل البلاد تمر بأزمة سياسية تهدد أمنها واستقرارها؟ وهل مؤسسات الدولة معطلة؟ وهل يجب المطالبة بالتغيير من داخل المؤسسات أم من خارجها؟.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *