«جيل زد 212» بالمغرب: من شرارة ألم إلى حراك شبابي بلا هوية

انطلقت موجة احتجاجات شبابية في المغرب في 27 شتنبر 2025 تحت تسمية متداولة على الإنترنت «جيل زد 212». فقد اشتعل الغضب الشعبي بعد حادثة طبية مأساوية في اكادير شهدت وفاة عدد من النساء إثر عمليات قيصرية بمستشفى الحسن الثاني فانتشرت دعوات إلى التظاهر احتجاجًا على تردّي الخدمات الصحية والتعليمية والفرص الاقتصادية، وسرعان ما تحولت إلى حركة واسعة انتشرت إلى مدن عدة.

كيف نشأت الشرارة؟

قالت تقارير صحافية إن الشرارة الأولى كانت حادثة وفاة نساء خلال ولادات قيصرية بأغادير، وهي وقائع أثارت سخطًا واسعًا على مواقع التواصل وأدت إلى تداول واسع للقصص والشهادات والمطالب بالمساءلة وتحسين الخدمات الأساسية. تحولت هذه الصدمة إلى دعوات تزامنت معها منشورات واستدعاءات عبر تطبيقات شبابية.

كيف تشكلت الحركة وتنظمت؟

تشكّلت الحركة بصورة لامركزية، مستخدمة منصات رقمية مفضلة لدى فئات “جيل زد” مثل تيك توك وإنستغرام، لكن التنظيم اليومي والتنسيق تمّ كثيرًا عبر خوادم ومجموعات على منصة الديسكورد التي توفّر خصوصية ومساحات مغلقة، بحسب تحقيقات صحافية ومصادر ميدانية. يلتقي أعضاء الحركة ليلًا لمراجعة سُبل التحرك، تبادل دروس الوقفات في مدن مختلفة والتصويت على قرارات الاستمرار أو التخفيف من الوتيرة.

في هذا السياق قال  خبير في الأمن الرقمي  لبلبريس إن الديسكورد تُفضّلها الأجيال الشابة لأنها تسمح بهويات افتراضية وإعداد غرف لا تُراقب بسهولة مقارنة بالمنصات التقليدية.

من يقف وراء الحركة؟ 

أضحت سمة الحركة أنها لامركزية: لا قيادة معلنة أو حزب سياسي يعتَرف بها كجناح له. تُستخدم تسميات جماعية مثل «جيل زد 212» أو «GenZ 212» و«Morocco Youth Voice»، لكن مصادر صحافية تشير إلى أنها شبكات متشابكة من مجموعات محلية على الإنترنت تتولى الدعوة والتنسيق محليًا. بعض المشاركين يُقدّمون أنفسهم كطلاب أو عاطلين أو موظفين شباب يطالبون بتحسينات ميدانية محددة.

قال مشارك من سلا إن المجموعة تنشر مطالب بسيطة (صحة، تعليم، تشغيل، محاسبة) ، مركزين نقدهم على أداء الحكومة والنهج الاستثماري في مشاريع كبرى.

من هم المشاركون؟

هم بشكل أساسي شباب في الفئة العمرية لـ«جيل زد» (مواليد منتصف التسعينات وما بعد)، طلاب جامعات، شباب عاطلون أو يتشغلون بعمل هش، وناشطون رقميوّن. شاركت مجموعات من مدن متعددة: الرباط، الدار البيضاء، أكادير، وجدة، تمارة،فاس،طنجة،مراكش ومدن أخرى، ما أضفى طابعًا وطنيًا سريع الانتشار على الحراك.

من يمولهم؟ 

حتى الآن، لم تظهر تحقيقات موثوقة تُثبت وجود تمويل خارجي منظّم للحراك. طبيعة الحراك الرقمي والمنتَشِر عبر حسابات صغيرة وتحركات محلية يوحي بأن التمويل يقتصر غالبًا على مساهمات فردية صغيرة (تنقل، طباعة لافتات، تجهيزات بسيطة). في المقابل ظهرت تَهم متبادلة عبر منصات التواصل؛ أحيانًا تُطلق اتهامات بوجود «أذرع ممولة» لكن تلك الاتهامات لم تُدعَم بأدلة مستقلة أو مصادر موثوقة حتى هذه اللحظة. يجب التمييز بين شائعات الاتهام السياسي وغياب دلائل رسمية على تمويل خارجي منظّم.

من يصدّر بيانات الحركة؟ وكيف تتواصل؟

لا يوجد متحدث رسمي واحد؛ البيانات في الغالب تُنشر عبر حسابات وشبكات اجتماعية تابعة لمجموعات محلية أو قنوات على الديسكورد وتُعاد مشاركتها عبر تيك توك وإنستغرام. بعض الخوادم والمجموعات تُصدر دعوات لوقفات أو بيانات مطالبة أو تحديثات ميدانية، وتُنقل تلك النصوص سريعًا عبر إعادة تغريد ومقاطع قصيرة تُصنعها مجموعات الإعلام المواطني. في المقابل، تتبنى بعض الصفحات الإخبارية المستقلة حوارًا مع منظّمين محليين أو مشاركين لتوثيق المطالب ونشر بياناتهم.

تابع محللون أن ما يميّز هذه الاحتجاجات هو القدرة الرقمية للتنظيم السريع بدون بنية تقليدية، ومطالبها المجانية البسيطة (مستشفيات، مدارس، محاسبة) التي تلقى صدى وسط أزمة ثقة في الأداء، وأن غياب قيادة مركزية يجعل الحركة أكثر هشاشة أمام التشويش والاتهامات، لكنه أيضًا يزيد من صعوبة احتوائها أو التفاوض معها بطريقة تقليدية.

رسالة الى الملك محمد السادس

أصدر شباب جيل زيد، يوم أمس الخميس 02 أكتوبر 2025، وثيقة تضم مطالب حركتهم الاحتجاجية، قرروا توجيهها بشكل مباشر إلى الملك محمد السادس.

وجاء في الوثيقة التي اطلعت بلبريس على نسخة منها “نحن شباب المغرب، حملة رسالة الوطن، الذين يتألمون من صعوبة الأوضاع المعيشية، ومن الفجوة الكبيرة بين الحقوق الدستورية المنصوص عليها والممارسة اليومية، نتوجه إليكم بهذه الوثيقة الشعبية المليئة بالأمل والإيمان بأن مجلس العرش سيظل الضامن لأمن الوطن واستقراره وصون كرامة شعبه.”

وأضافت “لقد جاء دستور المملكة بإنجازات مهمة، منها ربط المسؤولية بالمحاسبة، وضمان حقوق التعبير والمشاركة والمساواة، لكن التطبيق العملي لهذه المبادئ شابته ثغرات وتجاوزات، ما يستدعي تجديد الثقة بين المواطن والمؤسسات. ومن واجبنا أن نرفع صوتنا، طالبين من جلالتكم التدخل لإصلاح عميق وعادل يعيد الحقوق، ويحاسب الفاسدين، ويجدد عهد المسؤولية والشفافية.”

بعد ذلك، انتقلت الوثيقة إلى سرد المطالب الأساسية، وعلى رأسها إقالة الحكومة الحالية، إذ أوضح الشباب أنه استنادًا إلى الفصل 47 من الدستور، الذي يمنح الملك صلاحية تعيين وإعفاء رئيس وأعضاء الحكومة، فإنهم يطالبون بإقالة حكومة عزيز أخنوش لفشلها في حماية القدرة الشرائية وضمان العدالة الاجتماعية.

كما دعوا إلى إطلاق مسار قضائي نزيه لمحاسبة الفاسدين، مشيرين إلى الفصل الأول من الدستور الذي يربط المسؤولية بالمحاسبة، ومطالبين بتفعيل آليات المراقبة ضد كل من ثبت تورطه في الفساد ونهب المال العام والإثراء غير المشروع، بغضّ النظر عن موقعه.

وثالثًا، طالبوا بحل الأحزاب المتورطة في الفساد، استنادًا إلى الفصل السابع من الدستور الذي يحدد دور الأحزاب في تأطير المواطنين وخدمة المصلحة العامة، وأكدوا ضرورة حل أي حزب يثبت تواطؤه مع شبكات الريع أو تورطه في الفساد.

كما شددت الوثيقة على ضرورة تفعيل مبدأ المساواة وعدم التمييز المنصوص عليه في الفصل 13، من خلال ضمان فرص متكافئة للشباب في التعليم، الصحة، والشغل، “بعيدًا عن الزبونية والمحسوبية”، وطالبت إلى جانب ذلك، بتعزيز حرية التعبير والحق في الاحتجاج السلمي، استنادًا إلى الفصل 19 من الدستور، داعية إلى “وقف التضييق على الشباب والطلبة والنشطاء وضمان حقهم الدستوري في التعبير”.

وأكدت الوثيقة على ضرورة إطلاق سراح جميع المعتقلين المرتبطين بالاحتجاجات السلمية، استنادًا إلى الفصل 29 الذي يكفل حرية الاجتماع والتظاهر، وأوضحت أن ممارسة هذا الحق لا يجب أن تكون سببًا في المتابعة أو السجن، وفي المقابل، شدد الشباب على أن المسؤولية الفردية قائمة في حق كل من ثبت تورطه في التخريب أو الاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، مميزين بوضوح بين من مارس حقه المشروع في التظاهر ومن لجأ إلى العنف.

كما طالبوا بـ”الإفراج عن كافة معتقلي الرأي والانتفاضات الشعبية والحركات الطلابية”، استنادًا إلى الفصل 23 من الدستور الذي يحظر الاعتقال التعسفي ويضمن المحاكمة العادلة، معتبرين أن هؤلاء لم يفعلوا سوى التعبير السلمي عن مطالب اجتماعية وسياسية مشروعة.

ومن بين المطالب أيضًا، عقد جلسة وطنية علنية للمساءلة، برئاسة الملك بصفته الضامن لوحدة الأمة واستقلال السلطة القضائية، وذلك وفق الفصل 42، حيث أكدوا أن هذه الجلسة يجب أن تكون علنية وتعتمد على أدلة ووثائق تكشف تورط الحكومة وأعضائها في ملفات فساد وتدبير كارثي للسياسات الاقتصادية والاجتماعية، موضحين أن الهدف من هذه الخطوة ليس الانتقام، بل إرساء سابقة تاريخية تؤكد دخول المغرب مرحلة جديدة من ربط المسؤولية بالمحاسبة الفعلية، بما يعيد الثقة بين الشعب ومؤسساته.

وفي ختام الوثيقة، شدد شباب “جيل Z” على أنهم اختاروا التوجه مباشرة إلى الملك لأنهم فقدوا الثقة في كل الوسائط السياسية القائمة الحكومة، البرلمان، والأحزاب، وقالوا “لقد أثبتت التجربة أن هذه المؤسسات، بدل أن تكون رافعة للتنمية والديمقراطية، تحولت إلى عائق حقيقي أمام تقدم الوطن، وأصبحت سببًا رئيسيًا في تفاقم أزماته”.

وتابعوا: “رسالتنا إليكم هي تعبير عن إرادة جيل جديد يرفض الاستمرار في دوامة الفساد والفشل، ويؤمن بأن مستقبل المغرب يمر عبر تجاوز هذه المؤسسات العاجزة، وإعادة بناء الثقة بين الشعب والدولة على أساس المحاسبة، العدالة الاجتماعية، وضمان الحقوق والحريات.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *