يعرف المشهد السياسي والمؤسساتي الوطني في السنوات الأخيرة فوضى عارمة على مستويات عدة: الخطاب السياسي، التواصل المؤسساتي والتواصل السياسي والنقاش العمومي رغم ندرته ، حيث تحول هذا المشهد لساحة مفتوحة على كل أشكال الشتم والتشهير والقذف في الحياة الخاصة، و تبخيس المؤسسات واستهداف الفاعلين السياسيين لمستوى لم يعد يحتمل، حيث أصبح المس بالمؤسسات، واستهداف الفاعلين، وتبخيس أدوارهم، وتوزيع التهم عليهم يمينا ويسارا هواية مفضلة لدى الكثير من المغاربة،- عبر أشكال من التشهير والهجوم والاستهداف للمؤسسات والفاعلين- لم يعرفها المغرب حتى في أحلك مراحله التاريخية.
وحسب علماء الاجتماع -السياسي، يعتبر تبخيس المؤسسات والفاعلين السياسيين من أخطر الظواهر التي تفكك المجتمعات وتهدد الدول في أمنها واستقرارها، لكن تبقى أخطر تداعيات هذا التبخيس هو فقدان المواطن الثقة في مستقبل بلاده بكل مؤسساتها الأمنية والدستورية والقضائية والسياسية والمنتخبة، ما يولد اليأس عند المواطن ويقوي نسبة اللاجدوى من وجود هذه المؤسسات ومن فاعليها، الأمر الذي ينعكس سلبا على سلوك ونظرة المواطن لبلده، لمؤسساته ولفاعليه.

ويستهدف التبخيس تشويه صور الفاعلين السياسيين و المؤسسات بكل أشكالها، خصوصا منها مؤسسات السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والمؤسسات الحزبية، ويقوض مهامها الدستورية والقانونية والسياسية والرمزية، ويقدمها كمؤسسات شكلية لا فائدة منها، ولا قيمة لها.
ونتيجة تضخم هذا التبخيس تزداد الفجوة بين هذه المؤسسات وبين المواطن، مما يفقدها للشرعية الرمزية، واحترام المواطن لها، مما يجعل المواطن يقتنع بأن هذه المؤسسات ليست سوى “آليات لشرعنة الفساد والغنى غير المشروع و الشطط في استغلال السلطة وهدر للمال العام ،،،،”.
أما بالنسبة للفاعلين السياسيين، فإن تبخيسهم وتبخيس مهامهم القانونية والدستورية والسياسية يؤثر على صور ونظرات ومواقف المواطن منهم، حيث يصبح هذا الأخير ينظر إليهم كمجرد “لصوص للمال العام وسماسرة وفاسدين، وناهبي للمال العام، وما رهانهم على الانتخابات إلا مسرحية سياسية على الشعب لشرعنة تبذير المال العام وخدمة المصالح الخاصة”.
لذلك، يدفع تبخيس الفاعلين والمؤسسات للانهيار وفقدان المصداقية و أدوار الوساطة بين المواطن والدولة، حيث تصبح الدولة بلا مؤسسات رسمية تلعب أدوار الوساطة، مما يدفع المواطن باللجوء لشبكات التواصل الاجتماعي، حيث الفوضى والقذف والتشهير ونشر الأخبار المضللة واستهداف الحياة الخاصة للفاعلين بشكل فظيع في غياب القانون الرادع.
مثل هذه الأوضاع لا تضعف المؤسسات والفاعلين فقط، بل تُضعف الدولة نفسها، وترهن استمرارها وتتركها في مواجهات مباشرة مع الشارع، مواجهات تبقى مفتوحة على كل الاحتمالات.
لذلك هناك اجماع- اليوم- على أن تبخيس المؤسسات والفاعلين السياسيين يشكل خطرا مباشرا علي الأدوار التمثيلية والوساطة التي تقوم بها هذه المؤسسات والفاعلين، وهو ما من شأنه أن يؤدي بالدولة وبمؤسساتها نحو النفق المجهول، بل إلى الهاوية وانتشار الفوضى وتقويض الأمن والاستقرار.
وبناء عليه، فإن تبخيس المؤسسات والفاعلين يرهن حاضر ومستقبل الدول على كل الافتراضات الممكنة، و على كل أشكال الفوضى وعدم الاستقرار، ويفرغ كل أسس الخيار الديمقراطي من محتواه، وكل استمرار في التبخيس لمؤسسات الحكومة وللبرلمان وللأحزاب وللفاعلين السياسيين، هو استباحة للركائز الأساسية لأي دولة مدنية حديثة، وفرملة لرهاناتها الديمقراطية والتنموية.
وعليه، فالتبخيس ما هو إلا تشويه متعمّد لصورة المؤسسات والفاعلين، وتقويض لمهامهم الدستورية والقانونية والسياسية والتنموية عبر أشكال من الخطابات يُسقِط عنها قيمتها ويضعف مهامها المجتمعية، وهو سلوك اصبح ينتشر بشكل رهيب ويصدر من منابر وعن نخب إعلامية أو سياسية، وأحياناً حتى من بعض المواطنين الذين فقدوا الثقة في كل شيئ بسبب تخلي الحكومات عن سياسات عمومية تضمن لهم العيش الكريم من تعليم وصحة وسكن وشغل وعدل.
لذلك ، نقول إذا لم تضع الدولة، وهي تستعد لتنظيم انتخابات تشريعية حدا لتبخيس أدوار المؤسسات والفاعلين فانهم سيفقدون ما تبقى لهم من شرعية رمزية، وسيكون لهذا التبخيس مخاطر على نسب المشاركة في الانتخابات المقبلة، مما سيفرز مؤسسات حكومية وبرلمانية مبلقنة وعاجزة عن مواجهات التحديات الاقتصادية والاجتماعية لمغرب اليوم والغد، الأمر الذي يمكن أن يفتح المجال أمام مخاطر أمنية وأشكال احتجاجية غير مؤطرة، قد تنزلق نحو الفوضى والتطرف والعنف والشعبوية، ومخاطر اجتماعية تؤطرها انقسامات مجتمعية، وتخل عن قيم المواطنة والوطنية.
يتبين من كل ما سبق اننا جميعا أمام منعطف تاريخي، وأنه حان وقت وضع حد لتبخيس المؤسسات والفاعلين بإخراج قوانين صارمة حماية لمكتسباتنا الديمقراطية والضرب بيد من حديد ضد كل من سولت له نفسه تبخيس مؤسسات الدولة والفاعلين او الإساءة اليهم تأمينا للخيار الديمقراطي من أي مخاطر غير متوقعة، لكون التشهير والقذف وتداول الاخبار المغلوطة،واطلاق الاحكام الجاهزة والصاق التهم
وتشويه صور المؤسسات والفاعلين اصبح يشكل خطرا حقيقيا وتجاوز كل الخطوط الحمراء.