كشفت منظمة العفو الدولية، في تقرير صادر يوم الإثنين 18 غشت 2025، أن إسرائيل تنتهج سياسة ممنهجة للتجويع في قطاع غزة، مؤكدة أن ما يعيشه الفلسطينيون من جوع ومرض ليس نتيجة عرضية للعمليات العسكرية، بل نتاج مخططات وسياسات متعمدة على مدى 22 شهراً تهدف إلى تدمير مقومات الحياة كجزء من جريمة الإبادة الجماعية المستمرة.
وقالت إريكا غيفارا روساس، مديرة البحوث والسياسات والحملات في المنظمة، إن الشهادات التي جُمعت تمثل إدانة دامغة لنظام دولي منح إسرائيل رخصة لتعذيب الفلسطينيين بإفلات شبه كامل من العقاب لعقود، مشيرة إلى أن تأثير هذه السياسات على المدنيين، ولا سيما الأطفال وكبار السن، كارثي ولا يمكن تجاوزه بمجرد إدخال مساعدات محدودة.
وأوضح التقرير أن الأطفال الفلسطينيين يُتركون ليذبلوا جوعاً، بينما تجد العائلات نفسها أمام خيار مستحيل بين الاستماع بلا حول ولا قوة إلى صرخات أطفالهم الهزلى المتوسلين للطعام، أو المخاطرة بالموت والإصابة في سعي يائس وراء المساعدات.
وأشارت المنظمة إلى أن سوء التغذية أدى إلى وفاة 110 أطفال حتى 17 غشت الجاري، فيما أظهرت تقارير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي أن سيناريوهات المجاعة تتحقق بالفعل وأن عدد الضحايا مرشح للارتفاع.
كما سجل التقرير، استناداً إلى بيانات “التجمع التغذوي”، نحو 13 ألف حالة سوء تغذية حاد بين الأطفال في يوليوز 2025، وهو أعلى رقم شهري منذ أكتوبر 2023، بينها 2800 حالة من سوء التغذية الحاد الشديد. وأكد أن القيود الإسرائيلية على عمل المنظمات الإنسانية تفاقم الأزمة، وتحرم العائلات من شريان حياتها الوحيد.
ولفتت العفو الدولية إلى أن النساء الحوامل والمرضعات يعانين بشكل خاص من تداعيات التجويع والنزوح، إذ تبين أن 43 في المئة منهن يعانين من سوء التغذية. وكشفت شهادات نساء عن عجزهن عن توفير الغذاء وحليب الأطفال والماء النظيف، ما يولد شعوراً بالذنب والعجز عن حماية أطفالهن.
ونقلت المنظمة شهادة ممرضة من جباليا تحدثت عن تخصيص حصص الطعام لأطفالها بينما تبقى هي جائعة، وعن تراجع حليبها في ظل غياب أجهزة الشفط والمكملات الغذائية.
وأشار التقرير إلى أن ندرة الغذاء في غزة تعود إلى الحصار وتدمير مصادر الإنتاج من أراضٍ زراعية ومزارع دواجن وماشية، ما تسبب في ارتفاع مهول للأسعار. كما مُنع الصيادون من العمل إلا في نطاق محدود محفوف بالمخاطر قرب الميناء، حيث يتعرضون للقصف والاعتقال.
وفي شهادات أخرى، تحدث كبار السن عن معاناة يومية في توفير الغذاء والدواء، إذ يعتمدون على مطابخ مجتمعية أو مساعدات غير كافية، فيما فرضت عليهم الظروف البحث عن الطعام قرب ممرات المساعدات وسط إذلال ومعاناة إضافية.
وأكدت تقارير طبية أن المزيج القاتل بين الجوع والمرض أدى إلى تفشي أمراض معدية ونقص خطير في الأدوية الأساسية، بينما يعمل أكبر مستشفى في القطاع بشكل شبه معطل بسبب القصف وانعدام النظافة.
وختمت المنظمة بالتشديد على أن إسرائيل، بصفتها قوة محتلة، تتحمل المسؤولية القانونية في حماية المدنيين وضمان بقائهم، مؤكدة أن استخدام التجويع كسلاح حرب جريمة لا يمكن التساهل معها، وداعية المجتمع الدولي إلى تعليق صفقات السلاح مع إسرائيل وفرض عقوبات محددة لضمان وقف سياساتها الهادفة إلى تدمير حياة الفلسطينيين في قطاع غزة المحاصر منذ أكثر من 18 سنة.