لجينات واجتماعات…ما لم يُروَ بعد اجتماع الداخلية بالأحزاب

انطلقت المشاورات السياسية الرسمية حول الانتخابات التشريعية المزمع تنظيمها في صيف 2026، على ضوء التوجيهات الملكية الداعية إلى إعداد المنظومة الانتخابية قبل نهاية 2025، وتكليف وزارة الداخلية بالإشراف على العملية وفتح حوار مؤسساتي مع الفرقاء السياسيين.

وفي أولى خطوات هذا المسار، احتضنت وزارة الداخلية اجتماعًا ضم قيادات وممثلي تسعة أحزاب سياسية ممثلة في البرلمان، في لقاء دام حوالي 90 دقيقة، وُصف بكونه تأسيسيا وحدّد الملامح الكبرى للمرحلة المقبلة دون الخوض في تفاصيل تقنية أو قانونية دقيقة.

وبحسب مصادر خاصة، شدد وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت خلال اللقاء على أن نزاهة الانتخابات المقبلة تمثل مدخلًا جوهريًا لضمان شرعية المؤسسات المنتخبة، داعيا إلى تعزيز ثقة المواطنين من خلال توفير شروط تكافؤ الفرص، ومحاصرة كل السلوكيات التي من شأنها المس بمصداقية العملية الانتخابية أو حرية التصويت.

الوزير ذاته أكد على ضرورة تحمّل الأحزاب لمسؤولياتها في اختيار مرشحيها، بعيدًا عن الحسابات الضيقة أو منطق الاستقطاب السلبي، مشيرا إلى أهمية الإعلان المبكر عن الجدولة الزمنية للاستحقاقات، بما يتيح التحضير الجيد لها على كافة المستويات.

كما شدد على ضرورة مراجعة الإطار القانوني المنظّم لنمط الاقتراع، وتطوير آليات تمويل الحملات الانتخابية، وهيكلة الدعم العمومي بما يضمن العدالة بين الأحزاب، ومراجعة اللوائح الانتخابية، وتمكين الناخبين من الولوج السلس إلى المعلومة.

في بلاغها الرسمي، أكدت وزارة الداخلية على انطلاق التنفيذ الفوري للتوجيهات الملكية، داعية الأحزاب إلى تقديم مقترحاتها بشأن الإطار القانوني المنظم للانتخابات في أجل أقصاه نهاية شهر غشت الجاري، تمهيدًا لدراسة هذه المقترحات والتوافق بشأنها، قبل إدراجها في المسطرة التشريعية خلال الدورة الخريفية المقبلة، والهدف، بحسب نفس المصدر، هو إتمام الترسانة القانونية قبل نهاية السنة الجارية.

وتأتي هذه التحركات وسط مؤشرات على بداية سخونة مبكرة في المشهد الحزبي، مع بروز نوايا التموقع استعدادًا للاستحقاق المقبل.

ففي صفوف حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يقود الحكومة الحالية، تتداول أوساطه حسب مصادر لـ”بلبريس” إمكانية ترشيح وجوه وازنة من خارج الحزب، أبرزها يوسف بنجلون، في سياق ما وصفته مصادر برغبة القيادة في الحفاظ على موقعها الانتخابي وتوسيع دائرة نفوذها. في المقابل، يصر الحزب على أنه عازم على خوض غمار الاستحقاق القادم بروح الانتصار لولاية حكومية ثانية، وأيضا يعول الحزب على نسائه كما هو الشأن بالنسبة لياسمين مغور الذي تتجه للترشح في دائرة الرباط المدينة.

من جانبه، يعوّل حزب العدالة والتنمية على إعادة انتخاب عبد الإله بنكيران أمينًا عامًا، بعد خروجه من الحكومة في انتخابات 2021، للعب دور مركزي في إعادة ترتيب أوراق الحزب، أملاً في استعادة موقعه داخل المشهد السياسي، رغم استمرار تداعيات هزيمته القاسية، وكان قد أسس للجينة للانتخابات اجتمعت أكثر من مرة من أجل الاستعداد لحكومة 2026.

أما حزب الاستقلال، فيبدو أنه يعيش ترددًا بين خيارات انتخابية متباينة، خاصة في ما يتعلق بإعادة ترشيح بعض نوابه الحاليين أو الدفع بأسماء جديدة على غرار عبد الجبار الراشدي، وسط تضارب داخل القيادة حول مدى نجاعة هذه الخطوة، وعمل أيضا على اجتماعات مصغرة للجنة الانتخابات بقيادة الراشدي، بالإضافة لمحاولته فك الأزمة المتواجدة في الشمال بين تيار محمد سعود والمنصوري وتيار نور الدين مضيان، والذي بدءت ملامحه تتضح بعد “تصريفة” المجلس الوطني قبل المؤتمر، حيث يسارع حزب الاستقلال على ضم أسماء بارزة في دوائر لم تفز بها “الميزان” كما هو الشأن في سلا، وأيضا الحفاظ على مراكز مثل الجنوب التي كانت تاريخيا مناطقا تابعة انتخابيا لها، بسبب قوة الاستقلاليين هناك.

في المقابل، يشهد حزب الأصالة والمعاصرة توترًا داخليًا بين بعض قياداته، في ظل صراع على التموقع السياسي والانتخابي، وهو ما دفع بعض أجنحته إلى طرح خيار استقطاب وجوه سياسية جديدة، رغم الجدل الذي أثارته تصريحات سابقة لمنسقته الوطنية فاطمة الزهراء المنصوري التي أعلنت خلالها استعداد الحزب لقيادة الحكومة المقبلة، في ما وصف بـ”حكومة المونديال”.

وفي خضم هذا السباق المبكر، بدا واضحًا أن تصريحات بعض قادة الأغلبية لم تمر مرور الكرام، فقد حذّر الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، محمد أوزين، من ما وصفه بـ”الاستفزاز السياسي” الذي تمارسه الأغلبية، بانخراطها المبكر في الترويج لطموحاتها الانتخابية، في وقت تعيش فيه فئات واسعة من المواطنين ضغوطًا اجتماعية حادة، خاصة على مستوى الأسعار والمعيشة. واعتبر أوزين أن إعلان بعض قيادات الأغلبية عن رغبتهم في قيادة الحكومة المقبلة سابق لأوانه، وينم عن استخفاف بمسؤولية التسيير الراهن، إلا أن أوزين مازال يسارع من أجل كسب أسماع وازنة ومواجهة أزمة “الانشقاق” المتواجد في الحزب، وبالتالي العمل باستراتيجية الانتخابات من أجل كسب على الأقل 50 مقعدا، باعتبار الحركة الشعبية ليس من بين المرشحين لكسب الانتخابات.

في المقابل اتجهت فيديرالية اليسار الديمقراطي، فقط لوضع اللمسات الأخيرة عن المذكرة، وتفادي ما وقع في الانتخابات الماضية، بعد انسحاب نبيلة منيب من التحالف من خلال الاشتراكي الموحد، وأيضا مصادر تحدتث عن اتجاه الحزب لترشيح نساء في دوائر كبرى في المغرب، من خلال اجتماعات لجنة الانتخابات، ودعم الكفاءات وأيضا الفاعلين الأكاديميين الذي لديهم مكانة كبيرة في الحزب، على غرار محمد الساسي والطاهر موحوش والشباب على غرار الأستاذ الباحث في جامعة محمد السادس منتصر الساخي.

بهذا، يبدو أن اللقاء الذي جمع وزارة الداخلية بزعماء الأحزاب لم يكن مجرد محطة بروتوكولية، بل شكل بداية فعلية لمعركة سياسية وانتخابية ستتضح معالمها تدريجيا، في ظل متغيرات داخلية ودولية، وتحديات اجتماعية ضاغطة، تجعل من نزاهة العملية الانتخابية ومصداقيتها رهانًا محوريًا في المشهد المغربي المقبل.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *