على وقع طموح وطني يتطلع إلى المستقبل الرقمي، انطلقت بالرباط فعاليات النسخة الثانية من "معرض المغرب لصناعة الألعاب الإلكترونية"، المنظم تحت الرعاية السامية للملك محمد السادس.
هذا الحدث، الذي تنظمه وزارة الشباب والثقافة والتواصل، لم يعد مجرد ملتقى عابر، بل كما أكد الوزير محمد المهدي بنسعيد في الافتتاح، أصبح "محطة رئيسية في مسيرة المملكة نحو بناء اقتصاد رقمي متطور عنوانه الإبداع والابتكار".
وفي هذا السياق الذي يفيض طموحا، يأتي صوت الخبرة الاقتصادية ليضع الأرقام والمعطيات في نصابها، ويؤكد أن هذا الرهان ليس ترفا، بل هو استثمار في منجم ذهب حقيقي.
المحلل الاقتصادي رشيد ساري، سلط الضوء على الأبعاد الاستراتيجية لهذا القطاع، مذكّرا بأن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي كان سباقا منذ سنوات في تحديد الألعاب الإلكترونية كرافعة أساسية لجعل الثقافة مصدرا للثروة.
وأوضح ساري في حديث مع بلبريس، أننا نتحدث عن صناعة عالمية عملاقة تقدر إيراداتها حاليا بثلاثمئة مليار دولار، ومن المتوقع أن تقفز إلى خمسمئة مليار دولار بحلول عام 2033.
وفي قلب هذه المعادلة الكونية، يبرز طموح المغرب المشروع بالاستحواذ على نسبة واحد في المئة فقط من هذه السوق، وهو ما يترجم إلى ثلاثة مليارات دولار كعائدات محتملة، قفزة نوعية هائلة مقارنة بالمداخيل الحالية. يضيف المحلل الاقتصادي.
ولعل القوة الحقيقية للمغرب، كما يرى ساري، لا تكمن فقط في استراتيجيته الطموحة "المغرب الرقمي 2030" أو في احتلاله المرتبة الأولى إفريقيا في استقطاب الاستثمارات الرقمية، بل في كنزه الذي لا ينضب: إرثه الثقافي والتراثي.

فهنا، يتحول التاريخ من صفحات الكتب إلى مغامرات تفاعلية، وتنهض الأساطير الشعبية كـ"هينة" و"عائشة قنديشة" و"عمي الغول" لتصبح شخصيات محورية في عوالم افتراضية مبهرة. إنها دعوة صريحة لاستغلال هذا الزخم السردي وتوظيفه في صناعة الألعاب، وهو ما بدأت تنهجه بالفعل مقاولات ناشئة واعدة تحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى منظومة متكاملة من التمويل والمواكبة لصقل مواهبها وإطلاق العنان لإبداعاتها.
غير أن هذا الطموح يتطلب، حسب الخبير الاقتصادي، تجاوز الاعتماد على دراسات مرجعية قديمة، والعمل على إيجاد بيانات وتقارير حديثة ترسم خريطة دقيقة للقطاع.
فالأوان قد آن لتوظيف المجال الرقمي في خدمة الثقافة، ومزج الحكايات الشعبية بسحر التكنولوجيا، واستعراض جمال مدينة وليلي وأزقة فاس العتيقة وشموخ الكتبية وجامع القرويين ليس فقط كخلفيات جامدة، بل كفضاءات حية تتنفس تاريخا وتفاعلا.
وخلص ساري بالقول ’’إنها فرصة فريدة لتحويل الألعاب الإلكترونية من مجرد أداة ترفيه إلى سفير ثقافي قوي، ومنتج إبداعي يدر الثروة، ويقدم للعالم وجها آخر للمغرب، وجه يجمع بين أصالة الماضي وإشراقات المستقبل.’’