أمام معاناة الحوز.. جماعة المنصوري تُخصص قرابة 700 مليون لكاميرات مراقبة وإضاءة مسرح !

في الوقت الذي يواجه فيه سكان إقليم الحوز أزمات خانقة، من انعدام البنية التحتية الأساسية وغياب الدعم الحكومي إلى حدّ اضطرار بعض العائلات إلى المبيت في الخيام، تبرز مناقصة أشغال المسرح الملكي بمراكش بقيمة 6.8 مليون درهم كضربة قاسية لضمير المجتمع.

ويتساءل عدد من الجمعويين، عن كيف يمكن تبرير إنفاق ملايين الدراهم على مشروع ثقافي فاخر بينما يعاني مواطنون على بعد كيلومترات قليلة من الحرمان من أبسط مقومات الحياة الكريمة؟ هذا التناقض الصارخ يطرح أسئلةً محرجةً عن أولويات المسؤولين، ويُظهر فجوةً عميقةً بين شعارات العدالة الاجتماعية وواقع التهميش الذي تعيشه مناطق كالحوز، بحيث أثارت مناقصة إنجاز أشغال الإضاءة المعمارية ونظام المراقبة بالفيديو للمسرح الملكي بمراكش تساؤلات جدية حول نزاهة الإجراءات وشفافيتها.

وحسب المحضر الرسمي الذي اطلعت عليه "بلبريس"، يكشف أن المناقصة الوطنية المفتوحة رقم 52/2025/CM لم تجذب سوى شركتين فقط، هما "أوزي للطاقة" التي تم استبعادها لعدم استيفاء الشروط، و"شركة ENTRAMI" التي فازت بالصفقة دون منافس حقيقي.

وحسب مراقبين، فإن هذا العدد المحدود من المشاركين يطرح علامات استفهام كبيرة حول مدى فعالية الإعلان عن المناقصة ومدى تشجيع المنافسة الفعلية في الصفقات العمومية.

الأمر الأكثر إثارة للريبة هو التناقض في الأرقام المعلنة، حيث تم تحديد مبلغ 6,849,342.00 درهم كقيمة لعرض الشركة الفائزة، لكن المبلغ النهائي المذكور في قرار اللجنة انخفض إلى 6,842,342.00 درهم دون أي تفسير واضح لهذا الفرق. مثل هذه التعديلات غير المبررة تضعف مصداقية العملية وتفتح الباب أمام الشكوك حول دقة التقييم المالي. كما أن غياب أي تحفظات فنية أو إدارية على عرض الشركة الفائزة، رغم أنها كانت المنافس الوحيد بعد الاستبعاد، يزيد من حدة التساؤلات حول مدى موضوعية المعايير المطبقة.

اللجنة المسؤولة عن المناقصة بررت اختيار الشركة الفائزة بأن عرضها كان "الأكثر فائدة اقتصاديًا" وفقًا للمادة 43 من المرسوم رقم 2-22-431، لكنها لم تقدم أي تفاصيل إضافية عن كيفية قياس هذه الفائدة أو المعايير الدقيقة التي استندت إليها. هذا الغموض في آلية الاختيار، مقترنًا بعدم وجود منافسة حقيقية، يضع علامات استفهام كبيرة حول نزاهة العملية برمتها.

ويرى مراقبون أن المبلغ الضخم المُخصص للمسرح، والذي يكفي لبناء مدارس أو مستوصفات أو حلّ أزمة السكن لعدد من العائلات في المناطق المحرومة، يُظهر اختلالاً صارخاً في توزيع الموارد العامة.

فبينما تُنفق الملايين على الإضاءة المعمارية والفخامة، نجد مواطنين يُعانون من انعدام الكهرباء والماء الصالح للشرب في نفس المنطقة.

وحسب نفس المصادر، فإن هذا ليس مجرد سوء تخطيط، بل هو إهانة صريحة لمبدأ تكافؤ الفرصوص، خاصةً عندما تُدار هذه الصفقات بغياب الشفافية، كما هو الحال في مناقصة المسرح التي لم تجذب سوى شركتين فقط، مما يزيد من الشكوك حول وجود نوايا حقيقية لتحقيق التنمية المتوازنة.

وحسب فعاليات حقوقية لـ"بلبريس"، فالمشهد الأكثر قسوةً هو رؤية أطفال الحوز ينامون في الخيام تحت برد الشتاء، بينما تُنفق أموالٌ طائلةٌ على مشاريع تُضيف اللمعان لصورة المدينة دون أن تُلامس معاناة من هم على هامشها.

وأضافت المصادر نفسها، أن هذه المفارقة ليست مقبولةً بأي معيار أخلاقي أو تنموي، وتتطلب وقفةً جادةً من المسؤولين لإعادة ترتيب الأولويات، فليس من العدل أن تتحول مراكش إلى واجهةٍ ثقافيةٍ فاخرةٍ على حساب مواطنين يُحرمون من حقهم الأساسي في السكن اللائق والخدمات الضرورية.