بمعدل نمو قياسي.. المغرب يعزز موقعه في خريطة الذكاء الاصطناعي العالمية
في خضم السباق العالمي المحموم نحو تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي، يواصل المغرب تعزيز حضوره في هذا المجال الواعد، رغم الفجوة التقنية التي تفصله عن القوى الكبرى. فبحسب تقرير حديث صادر عن منصة “كل شيء عن الذكاء الاصطناعي”، يحتل المغرب المرتبة 42 عالمياً من حيث معدل تبني الذكاء الاصطناعي، بنسبة متوقعة تصل إلى 16 في المائة مع نهاية سنة 2025.
ورغم تواضع هذا الرقم مقارنة بدول رائدة كأمريكا والصين، إلا أن ما يلفت الانتباه هو معدل النمو السنوي المركب الذي يحققه المغرب، والذي يبلغ 166.7 في المائة، وهو من بين الأعلى عالمياً، ما يضع المملكة في مصاف الدول الأسرع نمواً في هذا المضمار.
في المقابل، تواصل الولايات المتحدة تصدر المشهد العالمي بمعدل تبنٍّ متوقع يصل إلى 72 في المائة، مدعوم باستثمارات فدرالية ضخمة تناهز 15.2 مليار دولار، وسياسة واضحة لقيادة الذكاء الاصطناعي التوليدي. وتليها الصين بنسبة 70 في المائة بفضل برنامجها الوطني الأكبر عالمياً، بميزانية تناهز 22.4 مليار دولار، يركز أساساً على تحقيق الاكتفاء الذاتي في سلاسل التوريد الذكية.
أما المرتبة الثالثة فكانت من نصيب سنغافورة بنسبة 66 في المائة، مدعومة باستراتيجية “الأمة الذكية” التي خصص لها استثماراً يفوق 1.2 مليار دولار.
وفي المغرب، يستند التقدم في هذا المجال إلى برنامج “المغرب الرقمي”، الذي رصد له غلاف مالي قدره 1.8 مليار درهم، مستهدفاً تحديث البنية التحتية الرقمية وتوسيع استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في قطاعات حيوية، في مقدمتها السياحة والصناعات الخدمية.
ويطمح المغرب، من خلال هذه الدينامية، إلى تعزيز كفاءة الخدمات العمومية، وتوطيد مكانته كمركز إقليمي لحلول الذكاء الاصطناعي الموجهة نحو أسواق القارة الإفريقية. ويبرز قطاعا السياحة والخدمات كأكبر المستفيدين من هذا التوجه، خاصة مع التوسع في استخدام تقنيات التوصيات الذكية وتحليل السلوكيات، وأتمتة خدمات الاستقبال والتفاعل مع الزبناء داخل الفنادق والإدارات العمومية.
لكن، ورغم هذا التقدم، يواجه المغرب تحديات بنيوية واضحة، أبرزها التأخر في دمج الذكاء الاصطناعي داخل قطاعات أساسية مثل الصحة والتعليم والصناعة الثقيلة، مقارنة مع التجارب العالمية الرائدة. ففي حين تعتمد سنغافورة الذكاء الاصطناعي في 90 في المائة من خدماتها الحكومية، وتستخدمه 76 في المائة من مؤسسات الرعاية الصحية بالصين، لا تتوافر معطيات دقيقة حول مستوى التبني القطاعي في المغرب، ما يعكس إما غياب منظومة قياس واضحة أو تأخراً في بناء قاعدة بيانات وطنية خاصة بمؤشرات الذكاء الاصطناعي.
ورغم محدودية الكفاءات المحلية المتخصصة في مجالات تعلم الآلة وتحليل البيانات، وندرة الشراكات البحثية مع المراكز العالمية، إلا أن ارتفاع معدل النمو السنوي يعكس تحولا استراتيجيا جاريا في المغرب. هذا التحول تقوده سياسات عمومية داعمة للمقاولات الناشئة في المجال الرقمي، وحوافز ضريبية مخصصة للاستثمارات التكنولوجية، فضلا عن جهود بناء بنية تحتية سحابية وطنية لتوطين التطبيقات الذكية، وتقليص الاعتماد على الخوادم الأجنبية.
وعلى المستوى الإفريقي، يبرز المغرب كأحد أكثر الدول تنافسية في مجال الذكاء الاصطناعي، في قارة لا يتجاوز فيها متوسط معدل التبني 14 في المائة، وفق التقرير ذاته.
وبينما تسجل كينيا ونيجيريا تقدماً نسبياً بفضل استخدام الذكاء الاصطناعي في الخدمات المالية المتنقلة، تظل دول أخرى مثل إثيوبيا وأوغندا في مراحلها الأولى من هذا المسار.
هذا الواقع يمنح المغرب فرصة استراتيجية لتعزيز ريادته الإقليمية، ليس فقط من خلال تطوير قدراته المحلية، بل عبر تصدير حلول ذكية موجهة لأسواق إفريقيا جنوب الصحراء، في رهان واضح على الذكاء الإصطناعي كرافعة لمستقبل الاقتصاد الوطني ومفتاح للتموقع القاري.