ما تزال الكثير من أفكار الحرب الباردة تسيطر على الإعلام الجزائري، ونشطاء مواقع التواصل هناك، حينما يتعلق الأمر بالحديث عن المغرب، او قضية الصحراء أو القضية الفلسطينية.
وتأتي هجمات الإعلام الجزائري من حين لآخر على المغرب كرد فعل على منجزات بعينها، مثل تنظيم المونديال، التقارب المغربي الإماراتي وغيرها، وهذا ينم عن نوع من الحسد ليس إلا.
ولو فكر هؤلاء المهاجمين قليلا لوجهوا مدفعياته صوب ما يعتمل داخل البلاد من ملفات تستحق أن يسلطوا عليها الضوء.
ومن أجل طمس الحقيقة، أوهم الإعلام الجزائري الجمهور، أن الجزائر دولة عظمى تحاك ضدها مؤامرة عالمية، نتيجة لمواقفها وخدماتها للقضايا الإنسانية العادلة والمشروعة؛ رغم أن الجزائر لم يسبق أن خاضت حربا عسكرية أو دبلوماسية أو اقتصادية لصالح أي قضية، ولم تقدم يوما أي شكل من أشكال الدعم العسكري والمالي لأي قضية، ويقتصر موقفها على الشعارات فقط.
وخير مثال على ذلك، الحرب القائمة الاَن في الشرق الأوسط ضد فلسطين، إذا تدعي أنها قوة عسكرية عالمية جبارة وضاربة، إلاّ أنها لم تقدم أي قطعة عسكرية من أجل فك حصار على غزة، واقتصر موقفها على الشعارات التي لا تغني ولا تسمن من جوع.
فهاته الشعارات تصدر داخليا لإقناع الجزائريين أن النظام يخوض صراعا عالميا، قصد إجبارهم على الاقتناع جوابا عن سؤال جوهري؛ لماذا الجزائر دولة منتجة للغاز والبترول وليست متقدمة كما هو الحال لمثيلاتها في الخليج؟ ولماذا المغرب لا يمتلك ثروة طاقية ورغم ذلك لديه اقتصاد قوي ؟ .
فبدلا من ذلك السؤال مخافة ذاك الجواب المرعب، وجه الإعلام العسكري الجزائريين، بإقناعهم أنه ضحية مؤامرة دولية؛ لكن نجاح التوجيه الإعلامي للرأي العام، رهين بتحويل العقل الجزائري واستغبائه، وإفراغه من أي منطق عقلاني، حتي تتمكن تلك الفكرة من الرسو في العقل الجمعي الجزائري.
فنتيجة للمخطط المدبر والممنهج، تم إفراغ العقل الجزائري كليا وإعادة تشكيله من جديد وملئه بمنطق يخالف التطور الذي يشهده الوعي الإنساني العالمي، وبرمجته لافتراض المؤامرة ضد أي إخفاق مهما كان اجتماعيا أو سياسيا أو اقتصاديا أو أمنيا، وبصفة عامة كل المشاريع التنموي الساذجة؛ إلى أن صدق الجزائر أنه ضحية العالم وأضحى يرافع عن ذلك المنطق.
أضحى المتابع للإعلام الجزائري يربط أي إخفاق بأنه محاك ضد دولته، بدل إجراء تقييم ذاتي، ومعالجة مكامن الخلل؛ ووصل شبح المؤامرة للرياضة التي تستثمر فيها دول العالم من أجل خلق الثروة والعائدات المالية، لكن الجزائر يربط فيها كل إخفاق رياضي جزائري، بأنه مؤامرة مغربية، لتبرير سبب تفوق المغرب بشكل غير مشروع يشوه إشعاع المغرب.
خلال السنين الأخيرة بدأ الوضع يتفاقم في ظل القيادات العسكرية الحالية، وذلك حينما ربطت الجزائر عدم تمكنها من التأهل لكأس العالم بأنه مؤامرة عالمية، ثم اعتبار أن انتصار المغرب في تنظيم كأس العالم وأفريقيا بأنه مؤامرة عالمية ضد الجزائر؛ حيث تم تبني هاته الأطروحة بشكل واسع من قبل الجزائريين، من الجهات الرسمية والإعلام والمجتمع والمثقفون أيضا للأسف.
كما جهز إعلامهم رزمة من المبررات قبل انطلاق كأس أفريقيا، من قبيل فساد الاتحاد الأفريقي نتيجة تغول “القجع”، ثم شراء الحكام بالقارة الأفريقية للتاَمر ضد مباريات الجزائر، وربما ادعاء إعادة مباريات الجزائر التي من المحتمل أن تهزم فيها قبل حتى انطلاق الكأس، بالإضافة إلى أن المنتخب الجزائري هو من سينقد نجاح تنظيم الكان، بينما جهات فاسدة هي من تحاول تضخيم حجم أسود الأطلس.
وبعد انطلاق الكأس الأفريقية، بدأت اَلة الإعلام في الجارة الشرقية تشتغل تلقائيا، أولها بالهجوم على المنتخب المغربي ورأس الكرة المغربية لإضعافه معنويا، بعد الإشعاع العالمي للمنتخب المغربي، ثم احتقار البلد المنظم من قبل جماهيرهم على أساس أنهم مجرد أفارقة ومقارنة الجزائر بـ”الكوت ديفوار”، ووصلت السذاجة بمدرب منتخب تنزانيا الجزائري “عادل عمروش”، إلى ربط انهزام تنزانيا أمام الأسود، بأنه مؤامرة من “القجع”، لتبرير فشله أمام التنزانيين قبل مقابلتهم.
فمثل هاته الأساطير لا يمكن توقعها إلاّ من جزائري لأنه معزول عن العالم، دون أن يعلم أنه محل سخرية أفريقية، لأن الوعي الأفريقي تطور بشكل واسع عكس ما يظن الإعلام الجزائري، إذ أن مثل هاته التصرفات تسيء للجزائر أمام الأفارقة، وتزيد من عزلتهم خصوصا بعد أن انتقلوا ن الكذب إلى الاقتناع بالكذب، والدفاع عليه ومخاطبة العقل الأفريقي باستخفاف.