رغم بوادر الإنفراج مع المغرب.. لاتزال فرنسا تعاني من جرح دفين مع المملكة

أن تجد الولايات المتحدة متفرغة وتصب جام غضبها تجاه الصين، ببروباغندا إعلامية وسياسية منسقة ومدبرة قصد الإطاحة بالصين؛ فهذا لا يعني سوى أن الصين منافس حقيقي للولايات المتحدة، والمهدد لوجودها.

وأن تجد أوروبا تتعامل بنفس المنطق مع تركيا؛ فهذا لا يعني إلا أن تركيا غيرت موازين القوى في أوروبا، وأضحت حليفا وفاعلا قويا ووازنا بالنسبة للولايات المتحدة في حلف “الناتو”، بديلا عن الحلفاء التقليديين داخل الجماعة الغربية بأوروبا.

وأن تجد نفس الحملات الإعلامية والسياسية تحاك بشكل مدبر ومنسق ضد المغرب، وأن تجدها تتكلم بنفس اللغة والمنطق؛ فهذا لا يعني إلا أن الغرب ينظر بعيدا ويستشرف المستقبل، ويفهم جيدا ماذا يريد أن يكون المغرب؟ وإلى أين يتجه؟ وما هو موقعه مستقبلا؟ بينما التفسير الواحد لذلك، هو أن المغرب يسير في الاتجاه الصحيح.

فللإشارة، فإن تغيير موازين القوى لا يعني إلاّ، صعود قوى على حساب أخرى، ما يؤكد أن المغرب منافس قوي في الساحة الإقليمية بتباث وتريث، أزاح بعض القوى وألحق بها ضررا؛ كما هو الحال بالنسبة للعزلة التي تعيشها فرنسا، جراء الجولات الملكية في إفريقيا، التي أزاحت فرنسا من القارة، وألحقت باقتصادها ضررا بليغا، وحققت للمغرب مكاسب دبلوماسية واقتصادية.

فالسياسات المغربية جنوب- جنوب تحت القيادة الملكية، قزمت من حجم فرنسا، وخلقت وعيا أفريقيا مفاده أن فرنسا تنتعش اقتصاديا من الصراعات المسلحة بين الأفارقة، عبر دعم الجماعات المسلحة، وتقويص أمن واستقرار الدول الأفريقية.

فبينما كانت فرنسا تصدر الأزمات، ذهب الملك باستراتيجية طموحة، تهدف إلى الأمن والإستقرار وتنمية القارة ، ما منح المغرب موقعا رفيعا على مستوى الخريطة السياسية العالمية، وجعل منه بوابة نحو أوروبا وأفريقيا وشريك استراتيجي موثوق وذو مصداقية.

فقد شكلت السياسة التنموية الملكية تجاه أفريقيا، تهديدا للمصالح الفرنسية السياسة والاقتصادية في القارة، من قبل دولة كانت بالأمس تخضع للحماية الفرنسية وشريك استراتيجي للفرنسيين بعد استقلال؛ غير أنها تمردت ضد التبعية المطلقة لها، وتبنت شراكات عالمية تنبني على التعدد، من أجل التموقع مصاف كبريات الدول المتقدمة والنامية كقوة صاعدة، مما يؤكد فرضية الاستثناء المغربي في المنطقة.

وخير مثال على الشعور الفرنسي بالحقد والضرر الدفين، حين كانت القيادة المغربية تقوم بجولات في أفريقيا، دائما ما كانت قناة  محسوبة على الخارجية الفرنسية، تقوم بردة فعل هجومية ضد الملفات الحقوقية في المغرب، لكون الاقتصاد الفرنسي يقوم بالدرجة الأولى على حساب الأموال والغنائم الأفريقية، كما أنها سوق استهلاكية ضخمة لصناعاتها.

فإثارة القضايا الحقوقية من قبل فرنسا، يعد تجارة سياسية بحقوق الإنسان، واَلة للابتزاز السياسي، وإزدواجية في المعايير، لأنها تثار فقط حينما يتعلق الأمر بانتصار سياسي واقتصاد مغربي ضد فرنسا؛ بينما تشهد فرنسا ردة حقوقية لا مثيل لها، تهم قضايا عنصرية بشاهدة وتوثيق من الأمم المتحدة، بعد تنامي قتل المهاجرين من قبل الشرطة الفرنسة، فضلا عن مشروع قانون الهجرة الذي يعود بفرنسا إلى العصور الوسطى.

كما تورطت فرنسا في جرائم حرب خلال السنين الأخيرة، دون أن تحترم معايير القانون الدولي الإنساني، الذي يحرم قتل المدنيين وإستهداف المناطق السكنية، والقضف العشوائي دون التصويب بدقة ضوب الهدف العسكري؛ وعكسا من ذلك، قامت فرنسا بقصف أهداف مدنية في كل من “سوريا” و”ليبيا”، عبر القصف العشوائي، راح ضحيته نساء وأطفال ووعائلات بأكملاها دون رقيب ولا حسيب، بل شن غارات جوية في كلا البلدين فوق سكان ومدارس.

وما يفسر الحقد الدفين للفرنسيين اتجاه المغرب، هو ظفر المغرب برئاسة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الذي ناله الممثل الدائم للمملكة المغربية في جينيف “عمر زنيبر”؛ حيث شكل إعتراف أممي بجهود المملكة المغربية في تطوير منظومة حقوق الإنسان.

لكن هذا التتويج لمسار من الإصلاح الحقوقي، أجبر فرنسا على تهنئة المغرب رغما عن أنفها، بعد سنين من الكذب والتجييش الإعلامي ضد المغرب، عبر إثارة قضايا حقوق الإنسان من خلال الابتزاز الحقوقي الإعلامي؛ إلاّ أن المؤسسات الأممية، فنذت ترهات ومزاعم الإعلام الفرنسي، وأجبرت فرنسا على الإعتذار ضمنيا، مع الشعور بالحقد الدفين المقرون بتمرير مغالطة حول الاختطاف القسري الذي ولى عنه الدهر.

فموضوع الاختطاف القسري في المغرب مجرم بموجب دستور 2011، بينما التعاون مع المغرب بشأن الاختطاف القسري عار من الصحة، ولا يمكن تصور جريمة بدون ضحية سوى إفتراض دبلوماسي لا غير، فمن أين جاءت فرنسا بهاته المزاعم؟ وعن أي جهود تتحدث؟ بينما المغرب قطع أشواط في هذا الصدد، ولا ينتظر الوصاية الحقوقية، بل يمارس سيادته على منظومة حقوق الإنسان عبر التفاعل مع الأمم المتحدة.

ففرنسا التي تشهد ردة حقوقية، عليها أن تتعلم من الشرطة المغربية كيفية معاملة المهاجرين دون إزهاف أرواحهم، كما عليها أن تتعلم من الجيش المغربي، كيفية تدبير النزاعات المسلحة دون إلحاق الضرر بأهداف مدنية، وعليها أن تتعلم من المغرب القيم الإنسانية.

فرغم الاعتراف الواسع بجهود المغرب في تطوير منظومة حقوق الإنسان، إلاّ أن فرنسا أبت وأحجمت، لأن معايير حقوق الإنسان لديها منافية للخصوصية المغربية؛ ففرنسا لا يهمها “قتل” نسوة وأطفال “سوريين” و”ليبيين”، قدر ما يهمها أن يصبح الإنسان “السوري” و”الليبي” إنسانا مثليا.

ففرنسا صارت معزولة، بينما الإقبال على المغرب يتزايد، من شركاء كانوا بالأمس أعداء، إعترافا منهم بدور المغرب الإقليمي في معادلة الأمن والإستقرار في المنطقة، مع الرهان على مزيد الإصلاحات، دون نكران المكاسب الحقوقية للمغرب الذي يظل إستثناء في المنطقة؛ بالإضافة إلى مبادرة الساحل الأطلسي، التي خيبت اَمال فرنسا في تقويض أمن وإستقرار المنطقة، وإنتعاشها من الصراعات، مما يزيد من الجرح الفرنسي من السياسات المغربية.

المقالات المرتبطة

أضف رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *