قدمت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة أول رد رسمي لها، إثر تقرير مجلس المنافسة حول الريع في سوق الكتب المدرسية، والذي أشار إلى اختلالات كبيرة في المنافسة الحرة وضعف جودة المقررات الدراسية.
وكشف الوزير سعيد أمزازي، في لقاء جمعه بمحمد رحو، رئيس مجلس المنافسة، عن تصور الوزارة للكتاب المدرسي وفق خريطة الطريق 2022-2026.
وقدم الوزير مقترحات الوزارة بشأن تنزيل توصيات مجلس المنافسة على المستوى التشريعي والتنظيمي، من خلال تضمين مشروع قانون التعليم المدرسي لأحكام تتعلق بالكتاب المدرسي.
وأكد الوزير التزام الوزارة بتوفير كتب مدرسية ومقررات تركّز على اكتساب الكفايات الأساسية والتحكم في اللغات، مع الحرص على تقديم مقرر مدرسي ناجح يحقق النتائج المرجوة.
كما شدد على وضع الكتاب المدرسي في صلب خارطة الطريق 2022-2026، وجعله أداة للأستاذ لنقل المعرفة للتلاميذ داخل الفصول الدراسية، مع مراعاة القدرة الشرائية وضمان إدماجه في برامج الدعم الاجتماعي.
رصد الاختلالات في سوق الكتب المدرسية
وكان مجلس المنافسة قد رصد عدداً من الاختلالات في السوق، أبرزها غياب المنافسة الحرة والهدر الكبير للكتب والمواد الصناعية والأموال، بالإضافة إلى انتشار كتب ضعيفة الجودة منتهية الصلاحية، لا تستجيب لتطلعات المنظومة التعليمية.
وأوضح المجلس أن السوق يفتقر لإطار مرجعي واضح، مع وجود تنظيم عشوائي واحتكار لصالح فئات معينة ومجالات جغرافية محددة، مما أدى إلى غياب المنافسة والابتكار، وتحول البعد التجاري على حساب الأهداف التربوية.
وأكد التقرير أن النموذج الاقتصادي لسوق الكتب المدرسية يؤدي إلى نتائج عكسية، مع إنتاج مفرط للكتب غير القابلة للاستعمال، بمعدل 3 إلى 4 كتب لكل تلميذ سنوياً، ما بين 25 و30 مليون كتاب غير صالح للاستخدام إلا مرة واحدة.
كما أشار إلى افتقار المنظومة إلى الكراسة الرقمية والأدوات الإلكترونية، بينما يظل المغرب يعتمد على المقررات الورقية التقليدية.
الاحتكار والريع
وفي ما يخص العدالة المجالية والمنافسة، سجل المجلس أن السوق محتكر بين أربعة إلى خمسة ناشرين، معظمهم في الرباط والدار البيضاء بنسبة 63٪، مع ثبات حصتهم من النشر منذ عشرين سنة.
وأشار التقرير إلى احتكار الإدارة لنفسها حق تحديد شروط المنافسة، عبر دفتر التحملات الذي لم يتغير منذ 20 سنة، بينما ظل المصدر الرئيسي للدخل لدى نفس الناشرين بين 400 و800 مليون درهم، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الكتب.
كما استفاد الناشرون من منح دعم مالي بنسبة 25٪ تصل إلى أكثر من 100 مليون درهم، لتحمل ارتفاع تكاليف الإنتاج وارتفاع أسعار الورق بنسبة 103٪.
مع اعتماد قوي على الكتب المدرسية المدعمة في المبادرات التضامنية، بما فيها مشروع “مليون محفظة”، التي خصصت لها منحة قدرها 370 مليون درهم من ميزانية إجمالية تجاوزت 550 مليون درهم.
ضعف الجودة والمضمون البيداغوجي
وأشار التقرير إلى اعتماد المنظومة على الكم الهائل من الكتب، دون مراعاة الجودة، إذ يعتبر المنتوج تجارياً بحتاً، مع حصول المؤلف على 8٪ من الأرباح فقط، مراعاة للحقوق الفكرية.
كما لم تعرف مراجعة أسعار الكتب تغييرات مهمة بين 2002 و2008، بينما تمت مراجعة 9 كتب فقط خارج الإطار القانوني.
واعتبرت الكتب منخفضة الأسعار ضعيفة من حيث المضمون والمواد الصناعية، وصفها المجلس بالرديئة والمشمئزة، بما يجعلها غير مشجعة على الدراسة.
ولفت المجلس إلى أن المنظومة ظلت تفتقر للإطار القانوني المنظم للكتب المدرسية حتى صدور القانون الإطار رقم 51.17 سنة 2019.
فيما لم يتم تفعيل المرسوم التنظيمي بشأن لجنة دائمة واستشارية لمراجعة وتجديد المناهج إلا بعد 2021، ولم تشكّل أعضاؤها لحد الآن.
ضعف الإبداع والمنافسة بين الناشرين
وهيمن الوزارة الوصية على مراحل إعداد الكتب، ما أفرز بيئة متقلبة وقانون عشوائي، حد من الإبداع البيداغوجي، ومنع الناشرين من المشاركة في تطوير المناهج بناءً على التجربة الميدانية، مما أحبط المنافسة بينهم.
كما فشل تطوير النشر على المستوى الوطني، نظراً لتعدد الكتب والمقررات، ما أدى إلى تفكيك المقرر إلى عدة كتب متباينة من حيث المضمون البيداغوجي والديداكتيكي، بسبب افتقار الناشرين للوسائل المادية والتقنية.
توصيات مجلس المنافسة
في هذا السياق، أوصى مجلس المنافسة بضرورة إدماج مراجعة النموذج الاقتصادي للكتب في السياسات العمومية التعليمية، وفق منطق التحفيز والإبداع، مع مراعاة الخصوصية الثقافية.
ومراجعة أدوار الجهاز القطاعي الوصي، والرجوع لتجارب دولية رائدة، سيما في شرق آسيا، وفق مقاربة تشاركية بين الخبراء والأكاديميين والفاعلين.
ودعا المجلس إلى وضع إطار قانوني مرجعي يحدد العلاقات بين الجهات الفاعلة، لضمان الأمن القانوني وتوضيح الرؤى بين الصناع والمستثمرين، مع التركيز على حماية السيادة على المقررات الابتدائية والإعدادية، وصيانة قيم وهوية الأمة، مع مراعاة حقوق المؤلف.
كما أوصى بإجراء مراجعة عميقة للبرامج الدراسية وفق مقاربة تشاركية تشمل أولياء الأمور، وإتاحة المناهج للجمهور سنة قبل تطبيقها، لتمكين الناشرين من الإبداع والمنافسة.
ومنح الأساتذة سلطة اختيار كتب الانفتاح الموازية، عبر مجالس التعليم، بما يضمن توافق الرؤية الديداكتيكية والبيداغوجية بين الناشرين والدولة.
كما شدد المجلس على ضرورة مراجعة آليات الرصد المالي العمومي والشبه عمومي، وإعادة توجيهها بشكل فعال، بما يشمل الأوراش الملكية في مجال الحماية الاجتماعية.
وحصر إنتاج الكراسات المدرسية وفق الحاجيات الفعلية للتلاميذ، للحد من هدر الموارد النادرة.