حكيم لمطارقي
من علامات صحة وقوة الأنظمة السياسية المعاصرة، أن يجد كل طرف في اللعبة السياسية، هامشا، داخل الفضاء العام المشترك، للتعبير عن الرفض والمعارضة وعن جميع آرائه السياسية تجاه من يتقلد مقود سفينة الدولة، بهدف نبيل هو تنقيح العمل، وتطوير الأداء وتفاعل الأفكار البناءة مع الحفاظ على قيمة الإستقرار العام. هذه هي إحدى فضائل الدولة الحديثة، وإحدى قواعد تدبير شؤون الأمم.
غير أننا في المغرب، وإن كانت الدولة تسمح بهامش كبير من التجاذبات السياسية، وبمساحة عريضة من الفعل السياسي ورد الفعل، لكن ذلك مرهون بقوة الدستور والقوانين، بضرورة ممارسة فعل سياسي معارض أو إحتجاجي داخل الثابت اللامتغير، وهو صيانة الإستقرار السياسي.
ممارسة الفعل الإجتماعي الإحتجاجي، لا ينبغي أن يكون أداة سياسية تخفي وراءها عقد نفسية وكراهية مرضية مقيتة، وحقد طبقي أو عناد شخصي بين مختلف الفاعلين الظاهرين وغير الظاهرين في القرار الوطني. فعندما يتخلى الفاعل عن قيمة الإيمان والإحساس بالمسؤولية الوطنية، وعن الوعي بمآلات الفعل الإحتجاجي الذي قد يكون خطيرا ومدمرا في زمن جد معقد موصوم بأزمة إقتصادية وإجتماعية خانقة، وعندما يحتكم لعزة نفسه على وحسب عزة بلد ودولة ككل، فعندها ستكون النتائج تخريب لبلد بأكمله وربما تفكيك للدولة ودخول في صراعات لا متناهية يلعب فيها الأجنبي الحاقد كما يشاء.
أدوات حملة أخنوش ارحل، لم يعد أحد يفهم مراميهم الحقيقية! هل هو إزالة أخنوش من رئاسة الحكومة وهم يعلمون أن هذا بيد الملك بناء على نتائج إنتخابات؟ هل هو بسبب فشل أطراف معينة في الوصول إلى ما حققه أخنوش من نتائج في ظرف قياسي وفشلهم هم في ذلك؟ هل هو فعل إحتجاجي إجتماعي حقيقي أم فعل إجتماعي مستأجر بوجوه مستأجرة معروفة بتلوناتها وعدم نضاليتها من أجل ملفات الوطن؟ هل حملة أخنوش ارحل أولى من الفساد ارحل، ومن الخوف والظلم ارحل، ومن الريع ارحل، ومن الفوارق الإجتماعية إرحل، ومن اللامساواة في الولوج إلى المناصب إرحل.. وغيرها من ملفات عاجلة ينبغي أن ترحل، وينبغي أن يبذل فيها أدوات ودعاة أخنوش إرحل بصدق ووطنية.
اليوم الإثنين نادى بعضهم مجددا برحيل أخنوش، وبوقفة إحتجاجية، بعضهم يملك الملايين من المعجبين في شبكات التواصل الإجتماعي، ومع ذلك فشلوا في حشد ولو المئات فقط، مما يؤكد زيف حساباتهم وشهرتهم الوهمية. وقبل هذه الوقفة، التي كانت فاشلة بكل المقاييس، طبلت هذه الأدوات لتصدر تريند أخنوش إرحل في تويتر مجددا، رغم أن المغاربة لا يستعملون تويتر كثيرا كما في بلدان الخليج، وهي بالمناسبة حسابات عدد منها جديدة أو غير مفعلة أو غير معلوم هويتها، وهو هاشتاغ ليس في الرتبة الأولى، ومن يرد أن يبحث فليدخل تويتر ويضغط على هاصية تريند trend، وسيرى أن اخنوش ارحل عددها الحقيقي لا يرقى إلى الصف بعض عشرات من الحسابات الحقيقية، وأن هذا عدد ناشري هذا الهاشتاغ بعيد كل البعد من حيث الأرقام عن هاشتاغات أخرى، ولكن بفعل فاعل يوضع في رأس قائمة التريند.
اليوم يحاولون إخراج جميع أوراقهم إلى الشارع، ويخرجون عدد من الوجوه الرقمية الوهمية لمحاولة الضغط على الشارع والرأي العام، لكنهم تناسوا أو أظهروا غباء منقطع النظير، فاليوم الإثنين بدأت امتحانات الباكالوريا، وهي بداية عطلة صيفية خيث يسافر الناس، والجو حار، والعيد على الأبواب، وكان على الأقل أن يعرفوا كيف يختارون توقيت إحتجاجاتهم في الشارع التي غالبا ما تنجح مع كل دخول اجتماعي، وهذا يدل بشكل لا لبس فيه على عصبية هؤلاء ونرفزتهم وتهورهم ومحدودية تفكيرهم، وأنهم ربما يراهنون على دقة الظروف التي يمر منها المغرب والعالم بأسره.
عليهم أيضا أن يطرحوا سؤالا بسيطا على أنفسهم: لماذا كل هذا الغلاء الذي تضاعف إلى أكثر من مائة بالمائة لعدد من المواد وأن الناس لا تحتج عكس ما كان يقع في السابق؟ الجواب بسيط جدا، هو أن المواطن المغربي أصبح أكثر وعيا ونضجا سياسيا من هؤلاء، وأنه يفهم جيدا الظرفية ويسأل الله اللطف فيما جرت به المقادير.. اللهم آمين.