كيف انطلق «اطريحة» من الصفر ليخلف كبار بارونات المخدرات بالمغرب

 

حكاية جريمة

المال القذر للمخدرات

«مادام هناك حشيش يزرع بعلم السلطة، سيكون هناك تجار مخدرات ومهربون» كانت تلك جملة نطق بها مسؤول سام، جرت محاكمته في ملف الرماش، ولخصت كل الحكاية بأن شمال المغرب سيظل رهنية لبارونات المخدرات، كما سيستمر التهريب بين الضفتين ما دامت الحقول تنتج بسخاء سنابل الكيف، التي تصب عائداتها في جيوب الكبار، فيما يكتفي الفلاحون الصغار بالفتات.

هذه الجملة عادت إلى الأذهان سنة 2009 بعد أن تفجر ملف بارون كبير للمخدرات، تربع على عرش تجارة الحشيش بعد سقوط كل من منير الرماش والشريف بين الويدان، وعدد من الأسماء التي كانت تدور في فلكهما. وهذه المرة كان الأمر يتعلق بشخص عهد الحشيش منذ نعومة أظافره، بعد أن تربى في كنف أب كان يعمل في زراعة القنب الهندي.
لم تمنعه أميته المطلقة، ولا الظروف الاجتماعية القاسية التي لاحقته منذ طفولته بقبيلة بني عمار ضواحي الحسيمة، من أن يشق لنفسه مسارا خاصا، بعد أن نجح، بتعاون مع أفراد من عائلته، في أن يصبح موردا بالجملة لعدد من أباطرة المخدرات في بداية التسعينيات، من خلال التكفل بجمع محصول الحشيش من المزارعين، وتموين المستودعات السرية التابعة لهم، وهو ما جعله يقطع أولى خطواته نحو نادي الكبار، قبل أن تحين الفرصة الذهبية مع حملة التطهير التي أسقطت رؤوسا وازنة مثل «الذيب».
ورغم أن حملة التطهير التي قادها إدريس البصري بعثرت ولو إلى حين أوراق بارونات المخدرات وجعلت أسهم التهريب تنهار، فإن ذلك جعل البعض يستفيد من حالة الركود ويحقق أرباحا طائلة من خلال تسلم الشعلة، وخوض صراع شرس مع عدد من الأسماء، التي كانت تطمح إلى خلافة من أودعوا في السجن، في ظل ارتفاع الطلب على الحشيش المغربي بعد وقف وتجفيف منابع التهريب في انتظار هدوء العاصفة.
من وسط هذا الرماد سينبعث المفضل اكدي الملقب ب»اطريحة»، الذي ودع حقول الحشيش بثلاثاء كتامة، ليدير إحدى أهم شبكات التهريب الدولي للمخدرات، وينجح في تصدير مئات الأطنان من الحشيش المعالج إلى السواحل الإسبانية، بعد أن نسج شبكة علاقات متداخلة مع عدد من المسؤولين، مستفيدا من الخبرة التي راكمها خلال فترة قربه من أباطرة المخدرات الذين عصفت بهم حقبة التسعينيات.
لهذا السبب حرص اطريحة على الاستفادة من الأخطاء التي وقع فيها من سبقوه في المجال، ليحقق في وقت قصير ثروة طائلة، بعد أن توزع مجال اشتغاله ما بين تطوان وشفشاون وطنجة والقصر الكبير والجبهة، ووقع اختياره على أحد أقاربه ليكون رجل ثقته وذراعه الأيمن، قبل الانطلاق من مرحلة التموين والنقل، إلى احتكار مجال التهريب الدولي الذي يحقق عائدا مضاعفا، عوض الاكتفاء بإرسال المخدرات إلى نقط التحميل، وهو ما جعل حجم الشحنات يتضاعف وتتضاعف معها الأرباح، موازاة مع استقطاب المزيد من المسؤولين في سلك الأمن والقضاء والدرك من أجل توفير الحماية له.
ورغم ورود اسم اطريحة في عدد من التحقيقات الأمنية والقضائية، التي أعقبت سقوط بارونات المخدرات بالشمال، ومن بينهم منير الرماش والشريف بين الويدان، فقد نجح في البقاء حرا، وواصل نشاطه في مجال التهريب الدولي للمخدرات ما يعكس حجم النفوذ الذي كان يتمتع به.
ليس هذا فقط، فاطريحة سيتمكن لاحقا من مغادرة السجن رغم اعتقاله وإدانته، بطريقة أثارت علامات استفهام كثيرة ظلت تلاحق ملفه، قبل أن تنكشف بعد سنتين من ذلك بعض الأسرار عند اعتقاله والتحقيق معه من طرف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، في إطار ملف جر معه عدد من الرؤوس، وخلق رجة سياسية وقضائية داخل المغرب.