انها قاعة انتظار كئيبة

"انني أكتب بدافع اليأس"

غراهام غرين

كنت جالسا في مقعدي بالحافلة، حين اندلع عراك بين شابين أحدهما يحمل قنينة تحت معطفه، كان مشهدا عنيفا وصادما للجميع بفعل عبارات السب والشتم المخجلة والعراك الحيواني الفظيع..

توقفت الحافلة..

كنت مضطرا للمغادرة مثل الكثيرين.

الحقيقة انه فقط مشهد صغير من واقع معقد ومرير، في العقود الاخيرة ازداد منسوب العنف والاحباط والنزعات العدوانية في المجتمع المغربي، بسبب الازمة الاقتصادية الطاحنة والبطالة والفساد والظلم،  وفشل الدولة في معالجة المعضلات الاجتماعية والتربوية والادارية التي تهم حياة الملايين من المغاربة.

تحول المغاربة الى شعب تائه ومحبط ، ففي غياب الاحساس بالعدالة والرخاء والامل، انقلب المجتمع الى ساحة معارك رهيبة. فالمدرسة في شلل تام، والادارة تخبئ بين جدرانها الباردة عصابات الرشوة والفساد والمحاباة، والاقتصاد يحقق معدل نمو بطيئ لايستفيذ منه الا اللوبيات والمحظوظون..اما شباب القاع الاجتماعي والأرياف فلهم ارض الواسعة..وليجربوا حظهم البائس في مهن وضيعة بلا افق ولا كرامة، او يتقمصوا هوية اللاجئين السوريين في المانيا والسويد وغيرها من البلدان الاوروبية.

في هذا المجتمع المريض ، يراكم السياسيون المهرة واثرياء الريع الامتيازات والمنافع ويتم تهريب الخيرات والاموال الى الخارج. اللصوص باتوا اكثر قساوة وجرأة، فالصحافة المستقة محاصرة وفقيرة، والقضاء اصبح امبراطورية ضخمة لحماية من يدفع اكثر. وحدهم الفقراء والمهمشون وسيئو الحظ يتدربون على مجاراة تفاصيل يوم متعب والبحث عن لقمة عيش قد تأتي وقد لاتأتي..

هناك تحولات  مروعة في المشهد المجتمعي و السياسي، تجاوزت المؤسسات والمثقفين الذي صار اغلبهم يلهث خلف المنح والاعطيات والسفريات والتقرب من مراكز القرار والنفوذ.

نحن شعب بلا مشروع واضح في هذا العالم وبلا احلام ..نعيش مضطرين في قاعة انتظار كئيبة حيث الوقت يمر بطيئا، والطاقات تهدر وتشيخ، والعصابات تتقوى يوما بعد اخر.

  المجتمع المغربي مريض فعلا وعلاجه يتطلب التضحية والشجاعة والكثير من الوقت والفكر وجلسات التشخيص الطويلة.