هل يستغل مسلسل "الخليفة" معالم المغرب لتمرير رسائل سياسية؟
حينما تصبح مواقع التصوير أكثر من مجرد فضاءات بصرية، وعندما تتحوّل المشاهد الدرامية إلى أدوات لإعادة رسم خرائط الذاكرة، لا يعود النقاش مقتصرًا على عمل فني أو مسلسل تاريخي، بل يتحول إلى سؤال مركزي حول من يمتلك حق السرد، ومن يدير معركة المعاني في الزمن العربي الممزق.
في هذا السياق، يندرج حلول طاقم إنتاج تركي بالمغرب لتصوير مشاهد من مسلسل تاريخي جديد بعنوان "الخليفة". عمل يقدّم نفسه كدراما تاريخية، لكنه في العمق يعيد استثمار الموروث العثماني في زمن يعيد فيه الفاعلون الإقليميون تشكيل رموزهم وأبطالهم وخطاباتهم. اختيار المغرب تحديدًا، وبالأخص معالمه الحضارية العريقة بالجنوب، لم يكن قرارًا تقنيًا صرفًا، بل جزءًا من سياسة ناعمة تتقاطع فيها الأبعاد الجغرافية بالتاريخية، والفنية بالسياسية.
هذا التوجّه أثار انتقادات واسعة في أوساط المثقفين والمؤرخين المغاربة، الذين اعتبروا أن تصوير مسلسل يروّج لنموذج الخلافة داخل فضاءات مغربية يمثل تهاونًا في صون الخصوصية الثقافية. ورأى هؤلاء أن العمل لا يطرح موضوعًا دينيًا فحسب، بل ينسجم مع سردية توسعية ناعمة تسعى من خلالها بعض التيارات السياسية في تركيا إلى تمرير تمثلات مثالية حول تاريخ الخلافة، بما يحمله ذلك من رسائل سياسية مضمَرة.
التقارير التركية، خاصة في صحف مثل حرييت ووكالة الأناضول، ركزت على الجانب الإنتاجي والتقني لهذا المشروع، مشيدةً بما وفره المغرب من تجهيزات ضخمة وفرق تصوير محترفة ومعالم تاريخية متكاملة، خاصة في مناطق الجنوب مثل "كزنيقة" و"أولاد برحيل". وأبرزت الأناضول في تغطيتها أن السلطات المغربية وفرت كل التسهيلات لإنجاح هذا المشروع، مؤكدة على ما سمّته "الشراكة الثقافية" المتنامية بين الرباط وأنقرة في مجال الصناعات الإبداعية.
المغرب، بحكم موقعه الجغرافي وتنوع معالمه الطبيعية والمعمارية، ظل منذ عقود واحدة من أكثر الوجهات طلبًا من قبل صُنّاع الدراما والسينما الدولية، الذين وجدوا في فضاءاته امتدادًا جماليًا وتاريخيًا . فمن مراكش وورزازات إلى الصويرة والرباط، احتضنت المملكة عدة إنتاجات عالمية كبرى، كان أبرزها الفيلم التاريخي الشهير The Man Who Would Be King (1975)، وملحمة Gladiator (2000)، وKingdom of Heaven (2005)، مرورًا بمسلسل Game of Thrones الذي صُوّرت مشاهده في الصويرة وآيت بن حدو، وصولًا إلى أعمال عربية كبيرة مثل فيلم الرسالة (1976) الذي واجه حينها معارضة عربية ولم يجد غير المغرب فضاءً آمنًا لتصوير قصة النبي محمد وبدايات الدعوة. كما استقبلت المملكة أيضًا ثلاثية "صقر قريش" و"ربيع قرطبة" و"ملوك الطوائف".
هذا التاريخ الإنتاجي الحافل يعكس فلسفة مغربية واعية تقوم على جعل الثقافة والصناعة السمعية البصرية أحد روافد الاقتصاد والديبلوماسية الثقافية، دون أن تفقد المملكة توازنها في التعامل مع المواضيع الحساسة